أرشيف المدونة

شبهة قراءة " ذلك بأنّ منهم صديقين ورهباناً "

قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث

نسف أكاذيب النصارى حول القرآن الكريم

شبهة قراءة ” ذلك بأنّ منهم صديقين ورهباناً “

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى حول عصمة القرآن الكريم.

قالوا كيف تقولون أن كتابكم محفوظ ، وعندكم رواية تقول أن القرآن تغيرت فيه كلمة ؟

واستدلوا بما رواه أبو عبيد في فضائل القرآن قال:

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحُدِّثْتُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ نُصَيْرٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّلْتُ، عَنْ حَامِيَةَ بْنِ رِئَابٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَلْمَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} [المائدة: 82] فَقَالَ: دَعِ الْقِسِّيسِينَ فِي الصَّوَامِعِ وَالْخِرَبِ، أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صِدِّيقِينَ وَرُهْبَانًا»).(1)

وللرد على هذا الافتراء أقول:

أولا: الرواية غير صحيحة:

فسندُها مسلسل بالضعفاء والمجاهيل.

والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً فقط ، ويجب أن تنطبق عليه شروط خمس وهي:

1- اتصال السند.

2- عدالة الرواة.

3- ضبط الرواة.

4- انتفاء الشذوذ.

5- انتفاء العلة.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:

{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلّلاً}.(2)

علل الرواية:

العِلَّتَانِ الأولى والثانية: حامية بن رئاب الكوفي والصَّلْتُ بن عمر الدَّهَّان كلاهما مجهول الحال.

فهذان الرجلان لم يوثقْهما إلا ابنُ حِبَّان وقد سبق أن ذكرنا أنَّ توثيقَ ابنِ حِبَّان محلُ نَظَرٍ عِنْدَ أهل العلم كابن حجر العسقلاني وغيره.

قال الإمام ابن حجر العسقلاني:

{ وَهَذَا الذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ حِبَّان مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا انْتَفَتْ جَهَالَةُ عَيْنِهِ كَانَ عَلَى العَدَالَةِ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ جَرْحُهُ مَذْهَبٌ عَجِيْبٌ ، وَالـجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ }.(3)

ورواية المجهول عندنا مردودة غير مقبولة.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:

{الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا ، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ}.(4)

قال الإمام ابن كثير:

{فَأَمّا الْـمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ من سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا ممن لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ}.(5)

العِلّة الثالثة: نُصَيْر ابن زياد الطَّائِي منكر الحديث.

قال الإمام الذهبي:

نُصَيْر بن زياد الطَّائيّ الكُوفيّ

قال الأزْديُّ: مُنْكَرُ الحديث.(6)

وعليه فالسند ساقط ضعيف لا يصح الاحتجاج به.

العِلّة الرابعة: شيخ أبي عبيد مجهول.

فأبو عبيد يقول: وَحُدِّثْتُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ !

فمن الذي حَدَّثَ أبا عبيدٍ بهذه الرواية ؟ لا ندري

ورواية المجهول مردودة كما بَيَّـنَّا منذ قليل.

ثانياً: كتب أخرى تذكر الرواية:

لا يفوتني أن أنبِّه أن كل الكتب التي وقفت عليها تذكر هذه الرواية بنفس هذا الإسناد بل منها كتب ترويها عن راو آخر ضعيف وهو يحيى ابن يزيد الحِمَّاني فلقد ذكرها:

1- ابن أبي شيبة في مسنده.(7)

2- أبو عمر الدوري في كتابه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم.(8)

3- البخاري في كتابه التاريخ الكبير.(9)

4- أبو بكر ابن أبي داود السجستاني في كتابه المصاحف.(10)

5- عبد الرحمن ابن أبي حاتم في كتابه تفسير القرآن العظيم.(11)

6- أبو نعيم الأصبهاني في كتابه معرفة الصحابة .(12)

7- أبو بكر البزّار في مسنده.(13)

ثالثاً: الرواية تخالف الصحيح المتفق عليه:

هذه الرواية مخالفة لما اتفقت عليه الأمة الإسلامية

روى الإمام البخاري في صحيحه: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ:

{ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.

قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ: فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ}.(14)

قال الإمام ابن حجر العسقلاني:

{ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَابِ حَمَلَتِهِ}.(15)

وأقول أننا لا نُثْبِتُ قراءةً من قراءاتِ القرآن الكريم إلا إذا توافر فيها شروط ثلاثة:

1- اتصال السند.

2- موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً.

3- موافقة وجه من أوجه النحو.

فهذه القراءة {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صِدِّيقِينَ وَرُهْبَاناً} ليست صحيحة السند وكذلك ليست موافقة للرسم العثماني . إذاً فهي قراءة شاذة لا تثبت.

رابعاً: من فمك أُدينك:

ألم ينظر هؤلاء إلى ما في كتبهم ؟ ألم يروا حجم التحريفات والتخريفات التي في كتابهم ؟

وهل من كان بيته من زجاج يستطيع أن يقذف الناس بالحجارة ؟

يقول المؤرخ الكبير وِل ديورانت:

{وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث. أما النسخ الأصلية فيبدو أنها كُتبت بين عامي 60، 120م ، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان لأخطاء في النقل ، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يُراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها}.(16)

ويقول:

{وملاك القول أنّ ثمة تناقضاً كثيراً بين بعض الأناجيل والبعض الآخر ، وأن فيها نقاطاً تاريخيةً مشكوكاً في صحتها ، وكثيراً من القصص الباعثة على الريبة والشبيهة بما يروى عن آلهة الوثنيين. وكثيراً من الحوادث التي يبدو أنها وضعت عن قصد لإثبات وقوع النبوءات الواردة في العهد القديم ، وفقرات كثيرة ربما كان المقصود منها تقدير أساس تاريخي لعقيدة متأخرة من عقائد الكنيسة أو طقس من طقوسها} .(17)

مراجع البحث:

(1) فضائل القرآن للإمام أبي عبيد القاسم ابن سلّام ص298 ، ط دار ابن كثير – بيروت .

(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ، دار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر .

(3) لسان الميزان للإمام ابن حجر العسقلاني ج1 ص208 ط مكتب المطبوعات الإسلامية – بيروت ، ت: سلمان عبد الفتاح أبو غدة.

(4) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر .

(5) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للإمام ابن كثير ص92 ، تأليف أحمد شاكر ، ط دار الكتب العلمية – بيروت .

(6) تاريخ الإسلام للإمام الذهبي ج12 ص423 ط دار الكتاب العربي – بيروت ، ت: د/عمر عبد السلام تدمري.

(7) مسند ابن أبي شيبة للإمام أبي بكر ابن أبي شيبة ج1 ص309 ط دار الوطن – الرياض ت: عادل الغزاوي ، أحمد المزيدي.

(8) قراءات النبي صلى الله عليه وسلم للإمام أبي عمر الدوري ص90 ح40 ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة ، ت: د/حكمت بشير ياسين.

(9) التاريخ الكبير للإمام محمد ابن إسماعيل البخاري ج8 ص116ط دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد – الدكن.

(10) المصاحف للإمام أبي بكر ابن أبي داود السجستانيج1 ص476 ط دار البشائر – بيروت ، ت: د/محب الدين عبد السبحان واعظ.

(11) تفسير القرآن العظيم للإمام ابن أبي حاتم ج4 ص1183ط مكتبة مصطفى نزار الباز – الرياض ، ت: أسعد محمد الطيّب.

(12) معرفة الصحابة للإمام أبي نعيم الأصبهاني ج3 ص1330 ط دار الوطن – الرياض ، ت: عادل العزازي.

(13) البحر الزخَّار مسند البزّار للإمام أبي بكر البزار ج6 ص499 ط مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة ، ت: د/محفوظ الرحمن زين الله.

(14) صحيح البخاري للإمام محمد ابن إسماعيل البخاري ص1282 ح5019 ، ط دار بن كثير – بيروت .

(15) فـتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام بن حجر العسقلاني ج11 ص251 ، ط دار طيبة – القاهرة ، ت: نظر محمد الفَاريابي .

(16) موسوعة قصة الحضارة للمؤرخ وِل ديورانتج11 ص207 ، ط دار الجيل – بيروت ، ترجمة ذكي نجيب محمود.

(17) موسوعة قصة الحضارة للمؤرخ وِل ديورانت ج11 ص210 ، ط دار الجيل – بيروت ، ترجمة ذكي نجيب محمود.

 

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

شبهة آيتين من القرآن لم تكتبا في المصحف

قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث

نسف أكاذيب النصارى حول القرآن الكريم

شبهة آيتين في القرآن لم تـُكتبا في المصحف

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى حول عصمة القرآن الكريم.

قالوا كيف تقولون أن كتابكم محفوظ من التغيير وعندكم رواية تقول أن القرآن ضاع منه آيتان ؟

واستدلوا بما رواه أبو عبيد في فضائل القرآن قال:

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الْكَلَاعِيِّ، أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ: أَخْبِرُونِي بِآيَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ تُكْتَبَا فِي الْمُصْحَفِ، فَلَمْ يُخْبِرُوهُ، وَعِنْدَهُمْ أَبُو الْكَنُودِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَلَا أَبْشِرُوا أَنْتُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ آوُوهُمْ وَنَصَرُوهُمْ وَجَادَلُوا عَنْهُمُ الْقَوْمَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أُولَئِكَ مَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).(1)

وللرد على هذا الافتراء أقول:

أولا: الرواية غير صحيحة:

ففي سندها راوٍ ضعيف وآخر مجهول الحال.

والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحا حتى تنطبق عليه شروط خمس وهي:

1- اتصال السند.

2- عدالة الرواة.

3- ضبط الرواة.

4- انتفاء الشذوذ.

5- انتفاء العلة.

قال أبو عمرو بن الصلاح :{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الّذِي يَتّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلّلاً}. (2)

علل الرواية:

العلة الأولى: ابْنِ لَهِيعَةَ ضعيف الحديث.

قال الإمام الذهبي:

· قال ابن معين ضعيف لا يُـحتج به.

· الحميدي عن يحيى بن سعيد أنه كان لا يراه شيئا.

· نعيم بن حماد سمعت ابن مهدي يقول ما أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه.

· أحمد بن محمد الحضرمي سألت ابن معين عن ابن لهيعة فقال: ليس بالقوي.

· معاوية بن صالح سمعت يحيى يقول: ابن لهيعة ضعيف.(3)

العلة الثانية: أَبُو سُفْيَانَ الْكَلَاعِيّ مجهول الحال.

ورواية المجهول عندنا مردودة غير مقبولة.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:

لْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا ، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ}.(4)

قال الإمام ابن كثير:

{فَأَمّا الْـمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ من سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا ممن لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ}.(5)

فكل هذه العلل تمنعنا من قبول هذه الرواية ويحكم العلماء عليها بالوضع والكذب.

ثانيا: الرواية تخالف الصحيح المتفق عليه:

هذه الرواية مخالفة لما اتفقت على الأمة الإسلامية

فلقد روى الإمام البخاري في صحيحه: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ:

{ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ؟

قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.

قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ:

فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ}.(6)

قال الإمام ابن حجر العسقلاني:

{ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَابِ حَمَلَتِهِ}.(7)

ثالثا: على فرض صحة الرواية:

أقول: على فرض صحة الرواية فهاتان الآيتان من منسوخ التلاوة ولا تطعن هذه الرواية بحال من الأحوال في عصمة القرآن الكريم.

قال الإمام السيوطي في الإتقان:

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ .. وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الْكَلَاعِيِّ أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ: {أَخْبِرُونِي بِآيَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يُكْتَبَا فِي الْمُصْحَفِ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ وَعِنْدَهُمْ أَبُو الْكَنُّودِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ مَسْلَمَةُ ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَلَا أَبْشِرُوا أَنْتُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ آوَوْهُمْ وَنَصَرُوهُمْ وَجَادَلُوا عَنْهُمُ الْقَوْمَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أُولَئِكَ لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.(8)

إذاً فالإمام السيوطي يضع الرواية تحت باب “ما نُسِخَت تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ

ولذلك نقول أن هذه الرواية في حالة صحة سندها ستكون من المنسوخ تلاوته الذي لم يثبت في العرضة الأخيرة التي نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بها.

وأقول: كل ما لم يثبت في العرضة الأخيرة فليس بقرآن ، ولو صح سنده فهو منسوخ.

رابعاً: من فمك أُدينك:

ألم تنظروا إلى ما في كتبكم يا قوم ؟ ألم تروا حجم التحريفات والتخريفات التي في كتابكم ؟

قال المهندس رياض يوسف داود:

{ كان الكٍتَابُ يُنْسَخُ نَسْخَ اليد في بداية العصر المسيحي وكانوا ينسخون بأدوات كتابة بدائية ، عن نسخ منسوخة ، ولقد أدخل النُّسَّاخُ الكثيرَ من التبديل والتعديل على النصوص وتراكم بعضُه على بعضِه الآخر ، فكان النص الذي وصل آخرَ الأمرَ مُثْقَلاً بألوان التبديل التي ظهرت في عدد كبير من القراءات ، فما إن يَصْدُر كتاب جديد حتى تنشر له نُسْخَاتٌ مشحونة بالأغلاط} .(9)

مراجع البحـث:

(1) فضائل القرآن للإمام أبي عبيد القاسم ابن سلّام ص301 ، ط دار ابن كثير – بيروت .

(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ، دار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر .

(3) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي ج4 ص166 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت .

(4) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر .

(5) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للإمام ابن كثير ص92 ، تأليف الشيخ أحمد شاكر ، ط دار الكتب العلمية – بيروت .

(6) صحيح البخاري ص1282 ح5019 ، ط دار بن كثير – بيروت .

(7) فتح الباري للإمام بن حجر العسقلاني ج11 ص251 ، ط دار طيبة – القاهرة ، ت: محمد نظر الفَاريابي .

(8) الإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي ج4 ص1454 و1462ط وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالسعودية.

(9) مدخل إلى النقد الكتابي للمهندس رياض يوسف داود ص23 ط دار المشرق – بيروت .

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

شبهة عمر ابن الخطاب يقرأ الفاتحة بغير قراءتنا !

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه وبعد:
هذا رد على سؤال أخ فاضل عن شبهة بخصوص القرآن الكريم
وهذا كلام الأخ أولا:
—————
معلش بس انا لقيت على موقع اقتباس من تفسير بن كثير عن ان سيدنا عمر رضي الله عنه كان بيقرأ سورة الفاتحة غير المغضوب عليهم و غير الضالين ، ولقيت اقتباس ان كان في قراءة صراط من انعمت عليهم مش الذين
يا ريت بس ممكن تفهمني ازاي القراءات دي و هل هي صحيحة ؟ لاني لقيت واحد كاتب ان القرآن ناقص و الكلام ده ؟!
—————
والرد كالتالي بحول الله وقوته
سأجيبك أخي الكريم بإذن الله إجابة كافية شافية تنفعك بإذن الله في أي شبهة تتعلق بالقرآن الكريم فيما بعد بمشيئة الله.
فأقول وبالله وحده التوفيق أن العمدة في هذا الباب هو هذه الرواية:

{ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.
قَالَ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
}.
صحيح البخاري
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يترك إلا هذا القرآن الذي بين الجِلدتين من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس بلا تغيير أو نقص أو زيادة
وكل رواية توحي بما سوى ذلك فهي أما رواية موضوعة مكذوبة أو مؤولة.
كما قال الإمام الألوسي في روح المعاني ج21 ص142:
{والحق أن كل خبر ظاهره ضياع شيء من القرآن إما موضوع أو مؤول}

وعندنا ثلاثة شروط لقبول القراءة الصحيحة وهي:
1- اتصال السند.
2- موافقة الرسم العثماني.
3- موافقة وجه من أوجه اللغة العربية.

وحينما تجد أخي الكريم أي رواية للقرآن الكريم  تخالف شرطاً من هذه الشروط الثلاثة فهي قطعاً لا تصح.
تعال لنُنَزِّل هذه القواعد على الكلام الذي أتيتَ به
————–
سيدنا عمر رضي الله عنه كان بيقرأ سورة الفاتحة غير المغضوب عليهم و غير الضالين
وجدت اقتباس يقول أن عمر كان يقرأ :صراط مَن انعمت عليهم وليس الذين . أهـ
————-
وأقول:
الرسم العثماني الذي بين أيدينا يقول الآتي
{ غير المغضوب عليهم ولا الضالين }

إذاً كلام صاحب الشبهة يخالف الرسم العثماني الذي أجمعت عليه الأمة الإسلامية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تجتمع على ضلالة.

ثم هناك نقطة آخرى
القرآن منقول بالتواتر أي حفظه عشرات الصحابة بل مئات الصحابة مباشرة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر الشريف
وتعلم التابعون القرآن الكريم من الصحابة وحفظوه عن ظهر قلب
وكان التابعون بالآلاف بل بعشرات الآلاف
ثم تعلم تابعو التابعين القرآن الكريم من التابعين وحفظوه وكانوا بمئات الآلاف بل وبالملايين
فكيف نترك كل هذه الملايين الذين تواتر نقل القرآن الكريم عنهم كما هو بلا تغيير ، ثم نأخذ برواية مثل التي جاء بها صاحب الشبهة حتى لو كانت صحيحة الإسناد ؟

سأضرب لك مثالاً أخي الكريم على ما أقصد
مثلاً حدث حادث على الطريق الصحراوي
وهذا الحادث شاهده آلاف الناس واتفقت روايتهم أن السيارة التي وقع بسببها الحادث سيارة بيضاء اللون
ثم جاء شخص واحد وخالف كل هذه الآلاف المؤلفة وقال أن السيارة كانت سوداء !
فمن سنصدق حينئذ ؟
الآلاف المؤلفة أم هذا الشخص ؟
وهكذا الحال في نقل القرآن الكريم ، مع التنبيه على نقطة مهمة جدا
وهي: أن نقلة القرآن الكريم نعرف عنهم كل شيء عن عدالتهم وضبطهم ونحن على يقين أنهم أناس صالحون متمسكون بدينهم وكانوا غير مستعدين لتضييع أو تغيير حرف من كتاب الله من أجل الدنيا
أضف إلى ذلك كله أن العلماء اختاروا من بين هذه الآلاف المؤلفة من القراء أفضل مَن فيهم وأشهر مَن فيهم وأوثق مَن فيهم ضبطاً وحفظاً وإتقاناً وورعاً وديِناً
وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي في متن الشاطبية

{ تَخَيَّرَهُمْ نُقَّادُهُمْ كُلَّ بَارِعٍ … وَلَيْسَ عَلَى قُرْآنِهِ مُتَأَكِّلَا }

فالعلماء اختاروا مِن هؤلاء القرّاء الحفّاظ أبرعَهم وأفضلَهم وليس يأكل ويشرب بالقرآن أي بسبب القرآن كما هو الحال اليوم .
تجد بعض القراء على المقابر يقرأون القرآن في المقابر ليتحصلوا على بعض المال !
هل تعلم مثلا أن الإمام أبا بكر شعبة بن عياش – وهو الذي يروي عن عاصم ابن أبي النجود – قد خَتَمَ القرآن الكريم 18.000 ختمة كما في سير أعلام النبلاء للذهبي !
فههؤلاء الأئمة كانوا يشتغلون بالقرآن عما سواه، فأتقنوه وحفظوه عن ظهر قلب.
ولهذا بارك الله لهم في علمهم وعملهم وسُمِّيَتْ قراءاتُ القرآن الكريم بأسمائهم.
ثم أقول: في حالة وجود أيِّ رواية ويأتي بها أي مُغْرِض، وتكون هذه الرواية مخالفةً للعَرْضَةِ الأخيرة أو مخالفة لمصحف عثمان فهي إما لا تصح من جهة السند أو تكون قراءةً منسوخةً بالعرضة الأخيرة.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَعُدُّونَ أَوَّلَ ؟ قَالُوا: قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَا، بَلْ هِيَ الْآخِرَةُ، ” كَانَ يُعْرَضُ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَهُ عَبْدُ اللهِ فَعَلِمَ مَا نُسِخَ مِنْهُ وَمَا بُدِّلَ
مسند أحمد ج5 ص395 ط الرسالة
إذاً فعمر ابن الخطاب كان يقرأ بهذه القراءة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل نسخها في العرضة الأخيرة
وأنبه أن العرضة الأخيرة هي القرآنُ الموجودُ بين الدَفَّتَيْن الذي جاء الدليل عليه في صحيح البخاري
وهذه العرضة الأخيرة حضرها عبد الله ابن مسعود وزيد ابن ثابت رضي الله عنهما
وزيد ابن ثابت هو الذي قام بجمع القرآن الأول في خلافة الصديق والجمع الثاني في خلافة عثمان فهو عالم بما نُسِخَ وما لمْ يُنْسَخْ.

ثم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يصلي بالناس في خلافته
فهل يُتَخَيَّل أن سيدنا عمر ابن الخطاب سيقرأ الفاتحة بقراءة مخالفة لما في المصحف بعد النسخ ويتركه الصحابة والتابعون هكذا دون نكير عليه ؟!
ثم سورة الفاتحة لا تصح الصلاة إلا بها ومعلوم أن كل المسلمين وعلى رأسهم الصحابة سيصلون بهذه السورة
فهم قطعا يحفظونها عن ظهر قلب كبارا وصغارا رجالا ونساء
ولقد بلغ عدد الصحابة الذين غزا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك أكثر من عشرة آلاف
كما روى مسلم في صحيحه من حديث كعب ابن مالك في غزوة تبوك قال:
{ وغزا رسول الله صلى الله عليه و سلم بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان حافظ }.
فتخيل غزوة تبوك فقط ذهب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أكثر من عشرة آلاف صحابي
فكم ترك النبي من الصحابة ممن لم يخرجوا معه لحفظ البيوت والأهل والأموال ؟
ثم كم عدد النساء اللائي لم يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وطبعًا كل هؤلاء كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون منه سورة الفاتحة في صلاتهم، ولم ينقلوا لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها بغير القراءة التي نعرفها اليوم، والتي تواتر نقلها إلينا بما يستحيل الخطأ عليها.
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة ج1 ص2 ط دار الكتب العلمية:
{فجمعت كتابا كبيرا في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم, ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعا الوقوف على العشر من أسامي الصحابة, بالنسبة على ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان, من رجل وامرأة, كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية ..}.
وعليه فإن أكثر من مائة ألف صحابي نقل سورة الفاتحة من النبي صلى الله عليه وسلم .
وطبعا هؤلاء المائة ألف سينقلون سورة الفاتحة ويعلّمونها لمئات الآلاف من التابعين الذين بدورهم سيعلمون هذه السورة للملايين من المسلمين وهكذا ..
فهل كل هؤلاء على خطأ ، وصاحب الشبهة الفذ العبقري على صواب ؟
أرجو أن أكونَ قد وُفّقت في إجابة سؤالك أخي الكريم إجابة شافية كافية وافية
ووفقك الله لما فيه رضاه

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

شبهة قول عمر بن الخطاب "ذهب قرآن كثير"

قناة مكافح الشبهات أبو عمر الباحث

نسف أكاذيب النصارى والشيعة الروافض حول القرآن الكريم

شبهة قول عمر بن الخطاب “قد ذهب قرآن كثير”

لتحميل البحث بصيغة pdf

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

هذه سلسلة الردود على شبهات النصارى والشيعة الروافض حول القرآن الكريم

قالوا أن القرآن الكريم قد ذهب الكثير !!

واستدلوا بما رواه عبد الرزاق في المصنف (1):

13364 – عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، لَا تُخْدَعُنَّ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ ، فَإِنَّهَا قَدْ نَزَلَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَرأَنَاهَا ، وَلَكِنَّهَا ذَهَبَتْ فِي قُرْآنٍ كَثِيرٍ ذَهَبَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَجَمَ ، وَرَجَمْتُ بَعْدَهُمَا ، وَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ مِنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَيُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِالْحَوْضِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِالدَّجَّالِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيُكَذِّبُونَ بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا أُدْخِلُوهَا ».

وكان محل استدلالهم بقول عمر بن الخطاب عن آية الرجم: “ولكنها ذهب في قرآن كثير ذهب مع محمد صلى الله عليه وسلم”

وللرد على هذا الافتراء أقول:

أولا: الرواية ضعيفة :

هذه الرواية ضعيفة ولا تقوم بها الحُجة لأن في سندها راوياً ضعيفاً وهو عليّ بن زيد بن جُدعان .

والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحا حتى تنطبق عليه خمسة شروط وهي:

1- اتصال السند.

2- عدالة الرواة.

3- ضبط الرواة.

4- انتفاء الشذوذ.

5- انتفاء العلة.

قال أبو عمرو بن الصلاح(2): أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الّذِي يَتّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلّلاً.

ولو نظرنا في هذا السند الذي رُويت من خلاله هذه الرواية لوجدناه مخالفا للشرط الثالث.

وهو ضبط الرواة.

ومعنى ضبط الرواة: أن يكون الراوي متقناً حافظاً للحديث كما سمعه من شيخه حفظاً تاماً بحيث إذا حدّثَ به غيره حَدّثَ به على نفس الوجه الذي سمعه به من شيخه.

وعليّ بن زيد بن جدعان ضعيف من جهة ضبطه في الحفظ والإتقان.

وإليك عزيز القارئ ما قاله علماء الحديث عن عليّ بن زيد بن جدعان:

قال الإمام الذهبي(3):

· قَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ.

· وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.

· وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ أَحْتَجُّ بِهِ؛ لِسُوْءِ حِفْظِهِ.

· وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَدُوْقٌ، وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُلَيِّنُهُ.

· وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ – وَكَانَ رَفَّاعاً -.

· وَقَالَ مَرَّةً: حَدَّثَنَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ.

· وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ وَكَانَ يَقْلِبُ الأَحَادِيْثَ.

· وَقَالَ الفَلاَّسُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يَتَّقِيْهِ.

· وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ضَعِيْفٌ.

· وَرَوَى: عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ.

· وَرَوَى: عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ.

· وَقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ يَتَشَيَّعُ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ.

· وَقَالَ الفَسَوِيُّ: اخْتُلِطَ فِي كِبَرِهِ.

· وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاَ يَزَالُ عِنْدِي فِيْهِ لِيْنٌ. أهـ

وعليه فالرواية ضعيفة ولا يُحتج بها علينا.

 

ثانيا: علماء الحديث يُضعِّفون الرواية:

قال الشيخ الألباني(4): إسناده ضعيف من أجل عليّ بن زيد وهو ابن جُدعان سيء الحفظ .

ثالثا: على فرض صحة الرواية:

لو افترضنا صحة الرواية فإن المقصود منها هو ما نُسِخَ رَسْمُهُ من القرآن الكريم في العَرْضَة الأخيرة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعا: النبي لم يترك إلا القرآن الموجود بين أيدينا فقط:

النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك بعد وفاته إلا ما بين الدفتين أي ما بين الجلدتين.

وهذا ما رواه البخاري عن أحد الصحابة وأحد التابعين رضي الله عنهم.

روى البخاري في صحيحه(5) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ:

دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ؟

قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.

قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ:

فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.

قال بن حجر العسقلاني(6): وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَابِ حَمَلَتِهِ.

خامسا: لو ذهب شيء من القرآن الكريم لم يكن الصحابة ليسكتوا أبدا

مع العلم أنهم كانوا حريصين أشد الحرص على ما يتعلق بالدين.

وهل يُتخيل أن قوماً بلغ بهم الحرص والدقة أنهم يعدّون الشعرات البيضاء في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا سيسكتون على ضياع شيء من القرآن الكريم ؟

روى البخاري في صحيحه(7):

أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال وهو يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

«كَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالقَصِيرِ ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ ، أَمْهَقَ وَلاَ آدَمَ ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ ، وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ»

قَالَ رَبِيعَةُ: «فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ» .

فكتاب ربنا تبارك وتعالى باقٍ كما هو ، لم يُحرّف ولم يُبدّل ، تحقيقاً وتصديقاً لموعود الله تبارك وتعالى بحفظه .

قال الله تبارك وتعالى:

{..وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } سورة فصلت الآيتان 42،41 .

بل والله لقد شهد المستشرقون للمسلمين بدقتهم الرهيبة في كل ما ينقلونه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم.

فيقول المستشرق كارل بروكلمان(8): لقد نقل إلينا المسلمون كل ما قام به النبيُ من أعمال، صغيرة كانت أم كبيرة ، في هذه الأيام ، بدقة وإسهاب.

مراجع البحـث:

(1) المصنف للإمام عبد الرزاق الصنعاني ج7 ص330 ، ط المكتب الإسلامي – بيروت ، ت: عبد الرحمن الأعظمي .

(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11 ، ط دار الفكر المعاصر لبنان ودار الفكر سوريا ت: نور الدين عنتر.

(3) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ج5 ص207 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: الشيخ شعيب الأرناؤوط .

(4) ظلال الجنة في تخريج أحاديث السُنة للشيخ الألباني ، ص151 ط المكتب الإسلامي – بيروت .

(5) صحيح البخاري ص1282 ح5019 ، ط دار بن كثير – بيروت .

(6) فتح الباري للإمام بن حجر العسقلاني ج11 ص251 ، ط دار طيبة – القاهرة ، ت: محمد نظر الفَاريابي .

(7) صحيح البخاري ص875 ح3547 ، ط دار بن كثير – بيروت .

(8) تاريخ الشعوب الإسلامية للمستشرق كارل بروكلمان ص66 ، ط دار العلم للملايين – بيروت.

الرد مصوراً على هذه الشبهة على هذا الرابط

http://www.youtube.com/watch?v=JbYcs6Xr3WI

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله ولوالديه