أرشيف المدونة

هل سَخِرَ معاوية من السيدة أم أيمن ؟!

قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث

نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي معاوية بن أبي سفيان y 

هل سَخِرَ معاوية بن أبي سفيان من السيدة أم أيمن ؟!

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:  

 هذه سلسلة ردود علمية على شبهات الدكتور عدنان إبراهيم حول الصحابة رضي الله عنهم.

تكلم د/ عدنان عن معاوية رضي الله عنه وقدح فيه قائلًا أن معاوية يسخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استدل بروايات لا تصح, وإليكم البيان:

استدلَّ بما ذكره الإمام الذهبي قال:

{ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أُسَامَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، وَأَلْطَفَهُ، فَمَدَّ رِجْلَهُ.

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ أَيْمَنَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ظُنْبُوْبِ سَاقِهَا بِمَكَّةَ، كَأَنَّهُ ظُنْبُوْبُ نَعَامَةٍ خَرْجَاءَ.

فَقَالَ: فَعَلَ اللهُ بِكَ يَا مُعَاوِيَةُ، هِيَ وَاللهِ خَيْرٌ مِنْكَ!

قَالَ: يَقُوْل مُعَاوِيَة: اللَّهُمَّ غُفْراً.

الظُّنْبُوْبُ: هُوَ العَظْمُ الظَّاهِرُ. وَالخَرْجَاءُ: فِيْهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ }.(1)

وللرد على هذا الافتراء أقول:

أولا: الرواية  غير صحيحة:

فسندها تالف ساقط فيه علل تمنعنا من قبوله.

والمسلمون لا يقبلون في دينهم خبرًا حتى تنطبق عليه شروط قبول الرواية بقسميه الصحيح والحسن, وللصحيح شروط خمس وهي:

ü            اتصال السند.

ü            عدالة الرواة.

ü            ضبط الرواة.

ü            انتفاء الشذوذ.

ü            انتفاء العلة.

قال أبو عمرو بن الصلاح :{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا ، وَلا مُعَلَّلًا }.(2)

علل الرواية:

العلة الأولى: أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيُّ.

قال الإمام الذهبي:

{ الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي

قال البخاري: ليس بثقة، كان يكذب.

 قال يعقوب بن محمد: سكتوا عنه.

وروى عباس عن يحيى قال: ليس بثقة، كان يكذب.

 وقال أبو داود: كذاب.

 وقال النسائي و غيره: متروك الحديث }.(3)

العلة الثانية: الانقطاع.

فَعَلَى فَرْضِ أنَّ الهيثم هذا كان ثقة، فالرواية أيضا ضعيفة بسبب الانقطاع.

فالهيثم بن عدي مُتَوَفَّى سنة 207 هجرية، وكان عمره وقتها 93 عاما.

قال الإمام الذهبي: { تُوُفِّيَ بِفَمِ الصَلْحِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً }.(4)

وهذا يعني أنه وُلِدَ سنة 114 من الهجرة، في حين أن معاوية رضي الله عنه تُوُفِّيَ سنة 60 هجرية.

وأسامة بن زيد رضي الله عنه تُوُفِّيَ سنة 54 هجرية.

ثانيا: كُتُبٌ أخرى تذكر الرواية:

هذه الرواية ذكرها الإمامُ الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء نَقْلًا عن كتاب تاريخ مدينة دمشق للإمام ابن عساكر.(5)

كما ذكرها البلاذري في كتابه أنساب الأشراف:

قال البلاذريُّ:

{  الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَحِمَ الله أُمَّ أَيْمَنَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَاقَيْهَا وَكَأَنَّهُمَا ظنبوبا نَعَامَةٍ خَرْجَاءَ، فَقَالَ: هِيَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أُمِّكَ وَأَكْرَمُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:

وَأَكْرَمَ أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات: 13) }.(6)

علل الرواية:

العلة الأولى: عبد الله بن فائد، أبو اليقظان.

وهذا الرجل له ترجمة شائكة جِدًّا، مَفَادُهَا أنَّ هذا الرجل له أسماءٌ وكُنًى كثيرةٌ، منها اسمه هذا و(سُحَيم بن حفص)، و(عامر بن أبي محمد)، و(عامر بن حفص)، و(أبو إسحاق المالكي)، و(أبو اليقظان)، وغيرها من الأسماء !

 وقصته هذه لخَّصها الإمام الخطيب البغدادي !

قال الإمام الخطيب البغدادي:

{ …قال لي أبو الحسن المدائني أبو اليقظان هو سحيم بن حفص وسحيم لقب وها عامر بن حفص وكان لحفص ابن يقال له محمد وكان أكبر ولده ولم يكن به وكان حفص أسود يعرف بالأسود وقال لي أبو اليقظان سمتني أمي خمسة عشر يوما عبد الله فإذا قلت: حدثنا أبو اليقظان فهو أبو اليقظان فإذا قلت: سحيم بن حفص وعامر بن حفص وعامر بن أبي محمد وعامر بن الأسود وسحيم بن الأسود وعبد الله بن فائد وأبو إسحاق المالكي فهو أبو اليقظان}.(7)

وهو رجل مجهول الحال، لا يوجد مَنْ وَثَّقَهُ مِنْ عُلماءِ الجرح والتعديل. ورواية مجهول الحال لا يُحتجُّ بها عند العلماء.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:

{ الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ }.(8)

العلة الثانية: الانقطاع.

فعبد الله بن فائد أو سحيم بن حفص هذا لم يُدركْ أسامة بن زيد أو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم.

قال ياقوتُ الحمويُّ:

{ سُحَيْم بن حفص، أبو اليقظان، الراوية، الأخباريُّ…تُوُفِّيَ سنة تسعين ومائة }.(9)

فلو فرضنا أنه عاش 120 سنة، فهو أيضًا لَمْ يُدْرِكْ أَحَدَهُمَا أو كليهما. فالرواية منقطعة.

العلة الثالثة: البلاذري لَمْ يوثقه أحد من العلماء..

أقول أنَّ البلاذريَّ مُؤلِّفَ الكتاب لَمْ يُوَثِّقْهُ واحدٌ من علماء الجرح والتعديل.

وهذه النقطة تكلمنا عنها في الرد على فرية نبوءة النبي r بموت معاوية على غير الإسلام.

ثالثا: طالما أنَّ الرواية ضعيفة؛ فلماذا ذكرها العلماء ؟

الرافضة وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ وسار على دربهم بسبب جهلهم بكتب أهل السُّنَّة والجماعة يسألون دائما هذا السؤال بعد أن ننسف لهم افتراءاتهم عن الصحابة، ويقولون: طالما أن الرواية ضعيفة, فلماذا يرويها الإمام ابن عساكر في تاريخه أو يذكرها الذهبي في سيره ؟؟

وهذا نفس السؤال الذي يسأله أتْبِاعُ عدنان إبراهيم بعد نسف الروايات مَحلَ استدلالهم !

وللرد على هذا السؤال أقول:

علماؤنا مثل الإمامِ ابنِ عساكر وغيره من المؤرخين كالطبري وابن الأثير والذهبي وابن كثير حينما صنفوا كتبهم هذه لم يشترطوا الصِّحَّةَ في كُلِّ ما ينقلونه !

بل كان هدفهم الوحيد هو جمع وتدوين كل ما قيل في الحقبة التاريخية الخطيرة.

وأما المتأخرون منهم فكان هدفهم سرد ما قيل عن كل شخص أو عن كل حقبة زمنية بغض النظر عن صحة الرواية وضعفها.

رابعًا: الرواية تخالِف الصحيحَ الثابتَ:

ادَّعَى عدنان إبراهيم في استدلاله بهذه الرواية أن معاوية لم يكن يوقِّر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم/ وسنعرض شيئا من أقوال علماء وثقات هذه الأمة عن أخلاق معاوية !

قال الإمامُ ابنُ كثير:

{ قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْظَمَ حِلْمًـا، وَلَا أَكْثَرَ سُؤْدُدًا، وَلَا أَبَعْدَ أَنَاةً، وَلَا أَلْيَنَ مَخْرَجًا، وَلَا أَرْحَبَ بَاعًا بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مُعَاوِيَةَ }.(10)  

وقبيصة بن جابر الأسديُّ من سادة ونبلاء التابعين, وكان رحمه الله كوفيًّا !

 وهذا كلام الإمام الذهبي نفسه في معاوية رضي الله عنه، والذهبي هو صاحب الكتاب الذي ينقل منه عدنان إبراهيم !

قال الإمام الذهبي:

 { وَمُعَاوِيَةُ: مِنْ خِيَارِ المُلُوْكِ الَّذِيْنَ غَلَبَ عَدْلُهُم عَلَى ظُلْمِهِم، وَمَا هُوَ بِبَرِيْءٍ مِنَ الهَنَاتِ – وَاللهُ يَعْفُو عَنْهُ }.(11)

قال الإمام الذهبي:

{ حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ ـ وَهُوَ ثَغْرٌ ـ فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ – صلى الله عليه وآله وسلم – خَيْرًا مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ}.(12)

روى الإمام أبو بكر الخلَّالُ:

{ قال أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُكْتِبُ: كُنَّا عِنْدَ الْأَعْمَشِ، فَذَكَرُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَدْلَهُ، فَقَالَ الْأَعْمَشُ: فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكْتُمْ مُعَاوِيَةَ؟ قَالُوا: فِي حِلْمِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، بَلْ فِي عَدْلِهِ }.(13)

خامساً: من فمك أُدينك:

عدنان إبراهيم له مقطع على موقع اليوتيوب يفتري فيه على صحيح الإمام البخاري، في محاولة يائسة لصد الناس عن هذا الكتاب العظيم، فقال أثناء كلامه أنَّ الإمامَ الذهبيَّ هو الحافظُ المؤرِّخُ العلَّامَةُ العظيمُ، العليمُ بالرِّجال !!

فلماذا ترك عدنانُ إبراهيم قولَ الإمام الذهبي في معاوية رضي الله عنه ؟!

هل عدنان إبراهيم أعلمُ بالرجال من الإمام الذهبيِّ ؟

ومدحُ معاوية رضي الله عنه لم يرد فقط عن الإمام الذهبي، وإنما عن كثير من علماء هذه الأمة !

روى الإمام ابن عساكر:

{ عن أبي الأشهب قال: قيل للحسن البصري: «يا أبا سعيد، إن هاهنا قوماً يشتمون أو يلعنون معاوية و ابن الزبير». فقال: «على أولئك الذين يلعنون، لعنة الله» }.(14)  

 والخلاصة أن هذه الروايات التي يذكرها عدنان مجرد أكاذيب وخرافات يريد عدنان حشرها في عقول أتباعه.

مراجع البحـث:

 (1)  سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج2 ص507, ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

 (2)  علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان،  دار الفكر –  سوريا، ت: نور الدين عنتر.

 (3)  ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي  ج7 ص111، ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: مجموعة من المحققين.

 (4)  سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج10 ص104, ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

 (5)  تاريخ مدينة دمشق للإمام ابن عساكر ج8 ص82 ، ط دار الفكر – بيروت. ت: محب الدين أبو سعيد العمروي.

 (6)  أنساب الأشراف للبلاذري ج5 ص40 ، ط دار الفكر – بيروت, ت: د/سُهِيل ذكَّار(شيعي) ، د/رياض زركلي .

 (7)  موضح أوهام الجمع والتفريق للإمام الخطيب البغدادي ج2 ص326, ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: أبي الفداء عبد الله القاضي.

 (8)  علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111، ط دار الفكر المعاصر – لبنان،  دار الفكر –  سوريا، ت: نور الدين عنتر.

 (9)  معجم الأدباء لياقوتُ الحموي ج3، ص1342, طبعة دار الغرب الإسلامي – بيروت، ت: د/ إحسان عباس.

(10) البداية والنهاية للإمام عماد الدين بن كثير ج8 ص138 طبعة دار هجر –  الجيزة، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.

(11) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج3 ص159, طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

(12) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج3 ص133, طلعة مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

(13) السُّنَّة للإمام أبي بكر الخلَّال ج2، ص437, طبعة دار الراية – الرياض، ت: د/ عطيّة الزهراني.

(14) تاريخ مدينة دمشق للإمام ابن عساكر  ج59 ص206، طبعة دار الفكر – بيروت. ت: محب الدين أبو سعيد العمروي.

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

الرد مصورًا على هذه الفرية 

حديث الغدير, وأحلام العصافير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله, وبعد:

كان هذا نقاش بيني وبين أحد الشيعة الرافضة, فطرح شبهة فأجبته عنها، ثم رأيتُ أنْ أنشرها لتعم الفائدة، ولعلَّ أَحَدًا من الباحثين عن الحقيقة من الشيعة يستفيد بها.

يقول: الرافضي:

22-10-2014 10-31-33 ص

فأقول وبالله التوفيق:

أولا: هذه الرواية بهذا اللفظ لا تصح، لأنها من طريق علي بن زيد بن جدعان، وهو راوٍ شيعي ضعيف! وهذا سندها في مسند الإمام أحمد يقول: [حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، فصلى الظهر، وأخذ بيد علي رضي الله عنه، فقال: ” ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ” قالوا: بلى، قال: ” ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ ” قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي، فقال: ” من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ” قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: ” له هنيئا يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن، ومؤمنة ]. فالرواية بهذا اللفظ ضعيفة!

وأما اللفظ الصحيح فهو: [مَنْ كنتُ مولاه، فعلي مولاه].

أما هذه الزيادة الضعيفة: [اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه]، فقد جاء في مسند الإمام أحمد أيضا ما يبطلها، فروى عن قال: [حدثنا عبد الله، حدثني حجاج ابن الشاعر، حدثنا شبابة، حدثني نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم، ورجل من جلساء علي، عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم: ” من كنت مولاه فعلي مولاه ” قال: فَزَادَ النَّاسُ بَعْدُ: ” والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه].

ثانيا: على فرض صحة الرواية التي ذكرتها فليس من حقك أن تفْصِلَها عن منهج أمة كاملة.

بمعنى أنه من الممكن أن يأخذ شخص ما أي حديث ويفهمه كما يحلو له, لكن الصواب أن تنظر كيف تعامل المحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الحديث ومع غيره.

فعلى سبيل المثال لقد حَثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه على مبايعة أبي بكر بالخلافة ونص عليه نصا صريحا صحيحا لا مطعن فيه.

ففي صحيحي البخاري ومسلم والفظ له عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: [ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي مَرَضِهِ: ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ، أَبَاكِ، وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ]. صحيح مسلم 11 – (2387)

ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: [ وَيَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ] ؟؟

قال الإمام أبو محمد بن حزم:

[ فَإِنَّ الْخَبَرَ قَدْ جَاءَ مِنَ الطُّرُقِ الثَّابِتَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: ” لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَى أَبِيكِ وَأَخِيكِ، وَأَكْتُبَ كِتَابًا وَأَعْهَدَ عَهْدًا، لِكَيْلَا يَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَحَقُّ، أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» وَرُوِيَ: «وَيَأْبَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ». وَرُوِيَ أَيْضًا: «وَيَأْبَى اللَّهُ وَالنَّبِيُّونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» ” قَالَ: ” فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَبَا بَكْرٍ عَلَى وِلَايَةِ الْأُمَّةِ ” بَعْدَهُ ]. الفِصَل في الملل والأهواء والنحل ج4 ص88 ط الخانجي – القاهرة.

فلو كان حديث الغدير فيه نص على استخلاف علي بن أبي طالب لكان المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف رجلين في وقت واحد, وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك.

ثالثا: نجد عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدَّعي لنفسه أنه كان أحقَ بالخلافة قط في وجود أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا بعدهما.

ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم نَصَ على خلافة عليٍّ لوجدنا عليًا قام ليتكلم بهذا. إذا ليس من حق علي أن يكتم شيئا كهذا, وإلا فسيكون علي قد كتم الأمر النبوي الشريف.

والله سبحانه وتعالى يقول:

{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }.(البقرة 159 )

وتكون أنت بهذا قد اتهمتَ عليًّا رضي الله عنه أنه ملعون لأنه كَتَمَ هذا الوحيَ النبوي الشريف.

رابعا: الثابتُ عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه بالأسانيد الصحيحة أنه بايع أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كما في صحيح البخاري:

[ وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وِجْهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ ].

وقد بايع عليُّ بن أبي طالب أبا بكر الصديق طائعا مختارا، ففي صحيح مسلم تقول الرواية:

[ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا : أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ فَكَانَ النَّاسُ قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ ].

فما معنى قوله: [ ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ ].

!!هل كلمة فبايعه معناها أنه لم يبايعه مثلا ؟!!

وفي هذا الرواية أن عليا هو الذي طلب مبايعة أبي بكر وسعى إليها حتى بايعه.

وفي هذه الحالة تكون أنت يا رافضي قد فهمتَ الأمر النبوي وتتهم علي بن أبي طالب أنه عجز عن فهمه.

لاحظ أن أدلتي من نفس الكتب التي تستدل بها علينا.
وهناك بيعتانِ لعلي بن أبي طالب بايع فيهما لأبي بكر الصديق, وليست بيعة واحدة.
ورواية البخاري كانت البيعة الثانية بعد مشكلة ميراث فدك.
فقد روى الإمام البيهقي في سننه الكبرى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

[ أن زَيْد بْن ثَابِتٍ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايَعُوهُ , ثُمَّ انْطَلَقُوا , فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَسَأَلَ عَنْهُ , فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنَهُ , أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ فبايعه , ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَسَأَلَ عَنْهُ , حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: ابْنَ عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحَوَارِيَّهُ , أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهُ فَبَايَعَاهُ ].
السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص246 ط دار الكتب العلمية – بيروت.

وهذه هي البيعة الأولى

خامسا: لو كان أبو بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة من علي كما تزعم الرافضة لما وجدنا عليا قد تواتر عنه أنه يمدحهم ويثني عليهم ويفضلهم على نفسه.

روى الإمام أحمدُ في مُسنده:

[ قَالَ عَلِيُّ بن أبي طالب: ” يَا أَبَا جُحَيْفَةَ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ ” قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: وَلَمْ أَكُنْ أَرَى أَنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْهُ، قَالَ: ” أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، عُمَرُ، وَبَعْدَهُمَا آخَرُ ثَالِثٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ ].

مسند أحمد ط الرسالة (2/ 201). إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وروى الإمام أحمد في مسنده:

[عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَلَوْ شِئْتُ لَحَدَّثْتُكُمْ بِالثَّالِثِ].

مسند أحمد ط الرسالة (2/ 224). وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وخذ مني هذه الصاعقة التي تنسف دين الرفض نسفا

محمد بن علي بن أبي طالب سأل أباه عليا عن خير هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فبماذا أجابه عليٌّ ؟؟

إليك الرواية:

روى الإمام البخاري في صحيحه:

[ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ].

صحيح البخاري حديث رقم 3671

والحنفية هذه هي أم محمد, وأبوه هو علي بن أبي طالب.

سادسا: الـ 110 صحابي الذين رووا هذه الرواية التي تستدل بها كما تقول يا رافضي, هل فهموا منها ما فهمته أنت والشيعة الرافضة ؟؟

هل منهم أحد قال حديث الغدير يدل على استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب بالخلافة ؟؟

سابعا: حديث الغدير ليس فيه حُجة على ما تقول لأن الموالاة لها عدة معانٍ في اللغة العربية, فمنها النُصرة, والمحبة, والتأييد, والمتابعة, والمبايعة, فكيف حملتها يا عبقري على معنى المبايعة والاستخلاف فقط دون المعاني الاخرى ؟؟

ما هو دليلك ؟

فعلى سبيل المثال الله سبحانه وتعالى يقول: { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا }.

وقال سبحانه: { بل الله مولاكم وهو خير الناصرين }.

بماذا ستفسر قوله: {مولى} وقوله: {مولاكم} ؟؟

ويقول سبحانه لأهل النار: { مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير }.

 بماذا ستفسر قوله {هي مولاكم } حسب تفسيرك لمعنى ” الولاية ” ؟؟

ولو قلنا أن الحديث معناه أن عليا هو الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لكان هذا يعني أن عليا اليوم ليس مولى لكل مسلم ومسلمة لأنك فسرتَ الولاية بمعنى الخلافة والرئاسة، وقد انتهت رئاسته وخلافته رضي الله عنه.

فهذا الحديث بهذا المعنى لم يُطبَّقْ إلا مدةَ خلافة علي فقط ثم انتهى أثره.

أما نحن فنقول أن الولاية هنا بمعنى المحبة والنُصْرة وهي باقية في قلوب المسلمين تجاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أن تقوم الساعة، وهنا يتبين للعقلاء والنبهاء تفوُّق أهل السنة والجماعة على الشيعة الرافضة.

ثامنا: 

1. الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما تولّى الخلافة لمدة أشهر بعد أبيه, فهل قال الحسنُ للناس إن أباه عليًا كان أحقَّ بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ؟

وهل صدر من الحسن ما يدل على أنه كان مبغضًا لهؤلاء الخلفاء الراشدين المهديين الثلاثة؟!

2. الحسين بن علي رضي الله عنهما, كان عظيم الشأن عند الصحابة ومع ذلك لم يقل الحسينُ لواحد من الصحابة إنَّ أبي عليًا هو الأحق بالخلافة أو أنا أو الحسن. 
تاسعا: 

قول الله سبحانه تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة حينما كان بعرفة ، فعن عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ أَيُّ آيَةٍ؟! قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا}، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ]. رواه البخاري في صحيحه ، حديث رقم 45 .وحجة الوداع كانت في السنة العاشرة من الهجرة.

ومن المعلوم أن يوم عرفات هو يوم العاشر من ذي الحجة.

وأما حديث الغدير فكان في يوم الثامن عشر من ذي الحجة، من نفس العام الذي حَجَّ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حَجَّتَهُ الوحيدة !

وهذا معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث بعد اكتمال الدين بثمانية أيام  أو تسعة!

فلو كانت إمامة علي رضي الله عنه أصلًا من أصول الدين كما يزعم الشيعة الرافضة لكان على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغها قبل نزول آية اكتمال الدين !!

عاشرا: روح الود والمحبة والإخاء كانت تسود هذا المجتمع الفريد, وخصوصا بين أبي بكر وعمر وعثمان وبين علي والحسن والحسين, فلم يكن بينهم تلك الضغائن والأحقاد التي يروج لها الرافضة !

وإليك هذا المثال:
روى البخاري في صحيحه: عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: [صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ لَا شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ ].  صحيح البخاري ـ حديث رقم 3542.

أي فداه أبي ، إنه يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يشبه عليًا !

حادي عشر: الرواية التي يستدل بها الرافضي حُجة عليه وتثبت كذبه على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأن فيها [ قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: ” له هنيئا يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن، ومؤمنة ]. فالرواية تقول إن عمر لقيه بعد ذلك! فلماذا يزعم الرافضي أن عمر رضي الله عنه كان حاضرًا ؟!

ثاني عشر: ليس في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ كنتُ مولاه، فعلي مولاه]. ولكن هذا أكاذيب الرافضة على الصحيحين كما اعتدنا منهم!!

———–

تمت بحمد الله

أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

نبوءة النبي بوفاة معاوية على غير ملته!

قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث

نسف أكاذيب د. عدنان إبراهيم حول الصحابة الكرام

رضي الله عنهم

فرية: معاوية يموت على غير مِلّة الإسلام!

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

 هذه سلسلة ردود علمية على شبهات الدكتور عدنان إبراهيم حول أصحاب رسولنا الكريم بأبي هو وأُمِّي صلى الله عليه وسلم.

ادَّعى عدنان إبراهيم كَذِباً وَزُوراً وَبُـهْـتـَاناً أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تنبأ أنَّ الصحابي الجليل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سيموت على غير مِلَّةِ الإسلام.!!

 واسْتَدَلَّ بما رواه البَلَاذُرِيُّ قال:

[وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّازِقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ فَقَالَ: ” يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي. قَالَ: وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَبِي قَدْ وُضِعَ لَهُ وَضُوءٌ، فَكُنْتُ كَحَابِسِ الْبَوْلِ مَخَافَةَ أَنْ يَجِيءَ. قَالَ: فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ: هُوَ هَذَا”].(1)

وللرد على هذا الافتراء أقول:

أولاً: الرواية  غير صحيحة:

و المسلمونلا يقبلون في دينهم إلا حديثاً تجتمع فيه شروط القبول, والحديث المقبول عندنا قسمان: الصحيح والحسن, وشروط الصحيح خمس, وهي:

1) اتصال السند.

2)  عدالة الرواة.

3)  ضبط الرواة.

4)  انتفاء الشذوذ.

5)  انتفاء العلة.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: { أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا ، وَلا مُعَلَّلًا }.(2)

علل الرواية:

العلة الأولى: عبد الرَّزَّاق بن همام الصَّنْعَانِي.

وهو مع كونه إماماً كبيراً عند أهل السنة إلا أن العلمـاء يرفضون ما يرويه خارج كتابه (الـمُصَنَّف).

قال الإمام البخاري:

[ مَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَهُوَ أَصَحُّ  ].(3)

وجاء في مُسند الإمام أحمد:

[ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: قَالَ لىِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: اكْتُبْ عَنِّى وَلَو حَدِيثًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ.فَقُلْتُ: لَا, وَلاَ حَرْفًا ].(4)

وسبب رفض العلمـاء لمثل هذه الروايات أنه كان يَتَلَقَّنُ بعد اختلاطه, وهي عِلَّةٌ أخرى تطعن في رواياته التي يرويها خارج كتابه.

وأفضلُ ما يقال في هذه المسألة هو كلامُ الإمام الذهبي.

قال الإمام الذهبيُّ:

[ قال الأثرم: سمعتُ أبا عبدِ الله يُسأل عن حديث: النار جبار.

فقال: هذا باطل.!

مَنْ يُحَدِّثُ به عن عبد الرزاق؟

قلت: حدثني أحمد بن شبويه.

قال: هؤلاء سمعوا منه بعد ما عَمِىَ.

كان يلقن فلقنه، وليس هو في كتبه.

وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه كان يلقنها بعدما عَمِىَ.

وقال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بأخرة.

روى عنه أحاديث مناكير.

وقال ابن عدي: حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد، ومثالب لغيرهم مناكير، ونسبوه إلى التشيع.

وقال الدارقطني: ثقة، لكنه يخطئ على معمر في أحاديث.

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت يحيى يقول: رأيت عبد الرزاق بمكة يحدث، فقلت له: هذه الأحاديث سمعتها؟ قال: بعضها سمعتها، وبعضها عرضا، وبعضها ذكره، وكل سماع.

ثم قال يحيى: ما كتبت عنه من غير كتابه سوى حديث واحد.

وقال البخاري: ما حدث عنه عبد الرزاق من كتابه فهو أصح ].(5)

فهذا الكلام البديع يوضح ويبين سبب رفض العلماء روايات عبد الرزاق خارج كتابه.

وفي قول البخاري { ما حدث عنه عبد الرزاق من كتابه فهو أصح } بيان شافٍ كافٍ في المسألة.

أضف إلى ذلك أن العلمـاء وصفوا الإمام عبد الرزاق الصنعاني بالاختلاط والتلقين كما وضحه الإمام الذهبي في كلامه السالف الذكر.

العلة الثانية: البلاذريُّ مُؤَلِّفُ الكتابِ لم يوثِّقْهُ أحدٌ من العلماء.

أقول أنَّ الْبَلَاذُرِيَّ مؤلفَ الكتاب نفسه, لم يذكره عالم بتوثيق.

وحتى الإمام الذهبي لما ذكره في السير لما يُوَثِّقْهُ ولم يَذْكَرْ أحداً وَثَّقَهُ.

ولم أقف على أحدٍ وَثَّقَهُ إلا الشريفُ المرتضى وهو شيعيٌ رافضيٌ جلد, بل هو من أئمة الرافضة.

قال الشريف المرتضى:

{ وقد روى البلاذريُّ في تاريخه وهو معروف الثقة والضبط, ويرى من مماثلة الشيعة ومقاربتها}.(6)

وفي قول الشريف المرتضى أنَّ البلاذريَّ كان يرى مماثلة الشيعة ومقاربتها إشارة أن مذهب البلاذريِّ كان قريباً من مذهب الشيعة.

قال الإمام الذهبيُّ:

{ الشريف المرتضى المتكلم الرافضي المعتزلي صاحب التصانيف.

وهو المتهم بوضع كتاب نهج البلاغة وله مشاركة قوية في العلوم.

ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.

 ففيه السب الصراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

 وفيه مِن التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي مَن له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم مِن المتأخرين جزم بأنَّ الكتاب أكثره باطل }.(7)

وقد حاول الرافضة في منتدياتهم الرد على هذا الكلام بأن الإمام الذهبي قال عن البلاذريِّ:

{ العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، المُصَنِّفُوَكَانَ كَاتِباً بَلِيْغاً، شَاعِراً مُحْسِناً}.(8)

قلتُ: لقد قال الذهبي ما هو أكثر من ذلك في قوم ضعفاء أو كذابين, ولم يقبل الذهبي نفسه رواياتهم, مثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي.

قال الإمام الذهبيُّ:

{ هِشَامُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ: العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، النَّسَّابَةُ الأَوْحَدُ }.(9)

فعلى قاعدة هؤلاء الرافضة يُعَدُّ هذا مدحاً وثناءًا ! ولكن ماذا قال الإمام الذهبي عنه ؟

قال الإمام الذهبيُّ:

{ أَحَدُ المَتْرُوْكِيْنَ كَأَبِيْهِ }.(9)

وهناك غيره كثيرون ممن أطلق الذهبي عليهم لفظ: العلامة والحافظ والأخباري, ولكنهم متروكون، ولا يُعْتَدُّ برواياتهم.

وحتى إذا كُنا سَنقبل منه فسنعتبره مستورَ الحال إذا لم يشذَّ في رواياته.

فكيف يكون الحكم على روايته إذا كانت تكفِّر رجلاً من الصحابة، شَهِدَ له النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضلُ أصحابِهِ رضي الله عنه بالعدالة والفضل والإسلام والإيمان والعلم ؟

تنبيه:

رأيتُ رافضياً في منتدياتهم يقول أنَّ الإمام ابن حجر العسقلاني وصف البلاذريَّ بأنه (ثَبْتٌ) !

فتعجبتُ وقلتُ في نفسي: كيف يقولها الإمام ابن حجر العسقلاني في رجل لم يوثقه أحدٌ من العلماء السابقين قبله ؟ فقلت: لا ريب ولا شك أنَّ هذا الكلامَ مكذوبٌ على الإمام ابن حجر.

قال الإمام ابنُ حجر العسقلانيُّ:

[ وقال البلاذريُّ: الثبت أن الذي باشر قتله أبو برزة الأسلمي ].(10)

فَظَنَّ الرافضيُّ الجاهلُ أنَّ الإمامَ ابنَ حجر يَصِفُ البلاذُريَّ بأنه ثَبْتٌ ! في حين أن الإمام ابن حجر كان ينقل قولاً للبلاذري, وذكر البلاذري نفسه فيه هذه الكلمة.

قال البلاذريُّ:

[ فَقَتَلَهُ أَبُو بَرزة الأسلمي. واسمه نَضلة بْن عَبْد اللَّه، وذلك الثبت].(11)

فالبلاذريُّ يؤكد أنَّ الصحيحَ والثابت أنَّ أبا برزة الأسلميَّ هو الذي قتل نضلة بن عبد الله.

فقلتُ سبحان الله !

لقد جَمَعَ الرافضيُّ بين قلة الدين وقلة العلم وقلة الأمانة العلمية.!

فيا حسرةَ مَنْ طَبَّلُوا له وزمروا في منتداه ووصفوه بأنه أتى بما لم يأتِ به أحد من العالمين !

العلة الثالثة: إسحاق الدبري وبكر الهيثم اللذان يرويان هذه الرواية عن عبد الرزاق! وإليك التفصيل:
1. إسحاق بن إبراهيم الدَّبَري:

وهو صدوق الحديث إلا أنه روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة!
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ إسحاق بن إبراهيم الدَّبْرِي.. روى عن عبد الرزاق أحاديث مُنكَرَة ]. لسان الميزان
وقال الحافظ الذهبي:
[ إسحاق بن إبراهيم الدَّبْرِي صاحب عبد الرزاق:
قلت ما كان الرجل صاحب حديث وإنما أسمعه أبوه واعتنى به سَمِعَ من عبد الرزاق.
روى عن عبد الرَّزَّاق أحاديث منكرة فوقع التردد فيها هل هي منه فانفرد بها أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق! ]. ميزان الاعتدال (1/ 332).

فائدة:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:
[وقال ابن الصلاح في نوع المختلطين من علوم الحديث: ذكر أحمد أن عبد الرزاق عمي فكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه بعدما عمي لا شيء.
قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما روى الدَّبَرِيّ، عَن عَبد الرزاق أحاديث أستنكرها جدا فأحلت أمرها على الدَّبَرِيّ لأن سماعه منه متأخر جدا والمناكير التي تقع في حديث الدَّبَرِيّ إنما سببها أنه سمع من عبد الرزاق بعد اختلاطه فما يوجد من حديث الدَّبَرِيّ، عَن عَبد الرزاق في مصنفات عبد الرزاق فلا يلحق الدَّبَرِيّ منه تبعة إلا إن صحف أو حرف وإنما الكلام في الأحاديث التي عنده في غير التصانيف فهي التي فيها المناكير وذلك لأجل سماعه منه في حالة الاختلاط والله أعلم]. لسان الميزان (2/ 37).
2. بكر بن الهيثم:

وهو راوٍ مجهول الحال، ولم يوثقه أحد العلماء قط! وعليه فهذا السند لا يصح قط!

تنبيه:

العلة الثالثة كلّمني فيها أخي الشيخ خالد الوصابي وفقه الله، فأضفتها لاحقًا، فكنت أظن أن إسحاق المذكور هو إسحاق بن منصور الكوسج أو إسحاق بن أبي إسرائيل، فتبين لي أنه ليس المقصود في هذه الرواية، والحمد لله رب العالمين.

ثانياً: سند آخر لهذه الرواية:

قال البلاذري:

[ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ فَقَالَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي. قَالَ: وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَبِي يَلْبَسُ ثِيَابَهُ فَخَشِيتُ أَنْ يَطْلُعَ، فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ].(12)

قلتُ وهذا سند ضعيف, لا يصلح للاستدلال به, كمـا ادَّعَى عدنان إبراهيم, ولا حتى يصلح شاهدًا كما ادَّعَت الرافضة في منتدياتهم. وإليك البيان:

علل الرواية:

العلة الأولى: شريك بن عبد الله القاضي.

وهو مع كونه قاضياً فاضلاً عند أهل السنة, إلا أنه كان سيءَ الحفظ, يُخْطِئُ كثيراً.

قال الإمام ابنُ حَجَر العسقلانيُّ:

[ شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ..صدوق يُخطئ كثيراً تَغَيَّرَ حِفْظُه منذ وَلِيَ القضاء بالكوفة وكان عادلاً فاضلاً عابداً شديدا ًعلى أهل البِدَع].(13)

ولذلك فكثير من العلمـاء لم يحتملوا تفرده.

قال الإمام الذهبيُّ:

[ تَوقَّفَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ عَنِ الاحْتِجَاجِ بِمَفَارِيْدِه].(14)

هذا في الكلام في مفاريده، فكيف إذا جاء بما يكفِّر صحابياً جليلاً كمعاوية ؟!

وقد يحتج أحد الرافضة بأنَّ البخاريَّ ومسلماً رويا له في صحيحهما.

وللرد على هذا أقول: أنَّ الشيخين لم يرويا له على سبيل الاحتجاج به ، وإنما روى له البخاري تعليقاً، وروى له مسلمٌ متابعةً.

قال الإمام الذهبيُّ:

[ وَمَا أَخْرَجَا لِشَرِيْكٍ سِوَى مُسْلِمٌ فِي الـمُتَابَعَاتِ قَلِيْلاً، وَخَرَّجَ لَهُ: البُخَارِيُّ تَعْلِيْقاً ].(15)

ولقد ذكر الذهبي في التذكرة أنه حسن الحديث, ولكن هذا يُحمل على ما يُتَابَعُ عليه وليس غرائبه.

العلة الثانية: ليث بن أيمن بن زنيم، وهو الليث بن أبي سليم القرشي.

قال الإمام ابنُ حَجَر العسقلانيُّ:

[ صدوق اختلط جداً، ولم يَتَمَيَّزْ حَدِيْثُهُ فَتُرِكَ ].(16)

العلة الثالثة: البلاذريُّ مؤلف الكتاب، وقد تقدم الكلام عليه من قبل.

فهذه هي أسانيد هذه القصة الباطلة الواهية، فكيف جَزَمَ الدكتور عدنان إبراهيم بصحة الرواية ؟

وقال: سندها قوي جداً، وسيأتي بالكتاب والسند ويحاكم السند لعلم الجرح والتعديل !

ثالثاً: السُّنَّةُ الصحيحة ترد الرواية:

وبعد أنْ نقدنا الرواية مِن حيث السند وَفَنَّدْنَاهَا ننقدها من حيث المتن ونقول:

رواية خطيرة كهذه كيف تكون صحيحة عن معاوية بن أبي سفيان ولا تكون مشهورة بين الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم ؟

صِحَّةُ هذه الرواية تعني الطعنَ في عمر وعثمان وعليٍّ لأنهم استعملوا على المسلمين في إمارة الشام رَجُلاً  سيموت على غير الملة وولوه عليهم.

ثم هذه الرواية في حالة صحتها تقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأنه استأمن رجلاً سيموت كافراً في كتابة الوحي المنزل من السماء، وبالتالي تطعن في صحة القرآن الكريم. ومن المعلوم عند كافة العلمـاء أنَّ الإسلام شرط في التحمل عن الراوي في رواية الحديث الشريف, فما بالك بكتابة القرآن الكريم ؟

ومِن أدلة بُطْلان هذه الرواية أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمعاوية بقوله: [اللهم علمه الكتاب والحساب, وَقِهِ العذاب].(17)

وصححه العَلَّامَة الألبانيُّ في صحيح سنن الترمذي.

ونحن نعلم أنَّ دعاء  النبيِّ صلى الله عليه وسلم مستجاب, إذا فدعاء الرسول لمعاوية أن يَقِيَهُ الله العذاب يعني أنَّ معاوية لن يعذبه الله.

والكافر الذي مات على غير ملة الإسلام قطعًا سيعذبه الله!! فكيف يكون معاوية مات على غير الإسلام ؟؟

ومن أدلة بطلان هذه الرواية دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية بقوله: [ اللهم اجْعَلْهُ هادياً مهدياً واهْدِ به].(18)

وصححه العَلَّامة الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة.

فيكون يكون معاوية هاديًا ومهديًا ويهدي الله به؛ ثم بعد ذلك يقال أنه يموت على غير الإسلام ؟!

ومن أدلة بطلان هذه الروايةأنَّ معاوية رضي الله عنه نقل لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهُ فِي الدِّيْنِ ].(19)

وقد شَهِدَ ا بنُ عباس وهو حَبْرُ هذه الأمة لمعاوية بأنه فقيه، كما رواه البخاري في صحيحه.(20)

فلم أسمع والله في حياتي في الإسلام عن فقيه كافر !!

ثم كيف يسمح الصحابة أن يتولى الخلافةَ رجلٌ يعرفون عنه أنه سيكفر ويموت على غير الملة ؟!!

ثم كيف يتنازل الحسنُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهمـا عن الخلافة لرجل سيموت كافراً ؟

هل يقصد عدنان إبراهيم بقدحه في معاوية أن يقدح في الحسن بن علي رضي الله عنهم ؟!!

ومن أدلة بطلان هذه الرواية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا ].(21)

قال الإمام ابن حجر العسقلاني:

[ وقوله قد أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وَجَبَتْ لهم به الجنة ].(22)

[ قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنَّه أَوَّلُ مَنْ غَزَا البحر ].(22)

قال الإمام بدر الدين العيني:

[ قَوْله: ( أول جَيش من أمتِي يغزون الْبَحْر ) أَرَادَ بِهِ جَيش مُعَاوِيَة، وَقَالَ الْـمُهَلَّبُ: مُعَاوِيَةُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْر ].(23)

 فكيف يموت معاوية رضي الله عنه كافراً على غير ملة الإسلام وهو الذي أوجب الجنة بغزوه البحر كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟؟

ومن أدلة بطلان هذه الرواية أنَّ العلماء المحققين لم يقولوا أبداً أنَّ معاوية مات على غير الإسلام.

رابعاً: وإليك أيها القارئُ الكريمُ شَيْئاً من هذه الأقوال:

روى الإمام أبو بكر الخلَّال قال:

] وسُئل الإمامُ أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يُـجَانَبُونَ هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، و نبين أمرهم للناس ].(24)

قلتُ: إذا كان هذا قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مَنْ يقول أن معاوية لم يكتب الوحيَّ واغتصب الخلافة, فماذا يا ترى يكون قوله فيمن يُكَفِّرُ معاوية ويقول أنه مات على غير الإسلام ؟!

وروى الإمام أبو بكر الخلَّال قال:

[ عن الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ انْتَقَصَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، أَيُقَالَ لَهُ رَافِضِيُّ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَيْهِمَا إِلا وَلَهُ خَبِيئَةُ سَوْءٍ، مَا انْتَقَصَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إِلا لَهُ دَاخِلَةُ سَوْءٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ].(25)

قال الإمام النووي:

[ وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه ].(26)

روى الإمام ابن عساكر قال:

[ عن عَلِيِّ بن جميل قال سمعت عبدَ الله بنَ المبارك يقول: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاويةَ شزراً اتهمناه على القوم أعني على أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم ].(27)

وروى الإمام ابن عساكر قال:

[ قَالَ أَبُو تَوْبَةَ، الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ: مُعَاوِيَةُ سِتْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السِّتْرَ اجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ ].(27)

قال الإمام ابن كثير:

[ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّـارٍ الْمَوْصِليُّ وَغَيْرُهُ: سُئِلَ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ أَيُّمَا أَفْضَلُ مُعَاوِيَةُ أَمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ لِلسَّائِلِ: تَجْعَلُ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ رَجُلٍ مِنَ التَّابِعِينِ ؟ ! مُعَاوِيَةُ صَاحِبُهُ وَصِهْرُهُ وَكَاتِبُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” دَعَوْا لِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ].(28)

قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية:

[ إنَّ معاوية ثَبَتَ بالتواتر أنه أمَّره النبي صلى الله عليه وسلّم كما أمّر غيره، وجاهد معه، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي، وما اتّهمه النبي صلى الله عليه وسلّم في كتابة الوحي، وَوَلَّاهُ عُمَرُ بنُ الخطاب الذي كان أخبر الناس بالرجال، وقد ضَرَبَ اللهُ الحقَّ عَلَى لسانه وقلبه، ولم يَتَّهِمْهُ في ولايته ].(29)

وروى الإمام ابن عساكر قال:

[ عن أبي الأشهب، قال: قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إن ههنا قوما يَشتمون -أو يلعنون- معاوية وابن الزبير! فقال: على أولئك الذين يَلعَنونَ لعنةُ الله ].(30)

خامساً: تحذير خطير:

 قال الإمام النووي:

 [ واعلم أنَّ سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب مُتَأَوِّلُون، كمـا أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا الشرح، قال القاضي: وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يُعَزَّرُ ولا يُقْتَلُ، وقال بعض المالكية: يقتل ].(31)

فإذا كان سب الصحابة من فواحش المحرمات فكيف يكون حال من يكفِّرهم ويحكم عليهم بالخروج من الملة ؟

وأخيراً:

 هذا البحثُ اجتهدتُ فيه على قدر جهدي وعلمي, وأسألُ اللهَ أنْ يتقبلَه مِنِّي ويجعلَه خالصاً لوجهه الكريم, وأسأله سبحانه أن ينفع به المسلمين في كل مكان.

فما كان فيه يا ربنا مِنْ خَيرٍ فتقبلْه مِنِّي, وما كان فيه مِنْ خطأٍ أو سهوٍ أو نسيانٍ فالله ورسوله منه براء, فما قصدتُ منه إلا الذبَّ عن رجلٍ أعتقدُ أنَّه مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم.

كما أسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى أن يجعلني ممن قال فيهم:

 { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَـانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } سورة الحشر 10.

 

مراجع البحـث:

 (1)  أنساب الأشراف للبلاذري ج5 ص134، ط دار الفكر – بيروت، ت: د/ سُهيل زكار(شيعي), د/ رياض زركلي.

 (2)  علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ،  دار الفكر – سوريا، ت: نور الدين عنتر .

 (3)  التاريخ الكبير للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ج2 ص200، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن.

 (4)  الـمُسند للإمام أحمد بن حنبل ج22 ص76، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

 (5)  سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج5 ص134، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤُوط.

 (6)  الشافي في الإمامة للشيعي الشريف المرتضى ج4 ص147، ط مؤسسة الصادق – طهران – إيران، ت: السيد عبد الزهراء.

 (7)  ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام شمس الدين الذهبي ج5 ص152، ط دار الكتب العلمية – بيروت.

 (8)  سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج13 ص162،163 ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤُوط.

 (9)  سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج10 ص101، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤُوط.

(10) هدي الساري مقدمة فتح الباري للإمام بن حجر العسقلاني ج2 ص757 ، ط دار طيبة – الرياض، ت: نظر محمد الفَاريابي.

(11) أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص360 ط دار الفكر – بيروت، ت: د/ سُهيل زَكَّار(شيعي), د/ رياض زركلي.

(12) أنساب الأشراف للبلاذري ج5 ص134 ط دار الفكر – بيروت، ت: د/ سُهيل زَكَّار(شيعي), د/ رياض زركلي.

(13) تقريب التهذيب للإمام ابن حجر العسقلاني ص207 ت2787، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: عادل مرشد.

(14) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج8 ص200، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤُوط.

(15) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج8 ص201، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤُوط.

(16) تقريب التهذيب للإمام ابن حجر العسقلاني ص400 ت5685، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: عادل مرشد.

(17) سنن الإمام الترمذي بأحكام الشيخ الألباني ص865 ح3842، ط دار المعارف – الرياض، ت: مشهور بن حسن آل سلمان.

(18) الـمُسند للإمام أحمد بن حنبل ج29 ص426، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.

(19) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص30 ح71، ط دار بن كثير – بيروت.

(20) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص923 ح3765، ط دار بن كثير – بيروت.

(21) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص721 ح2924، ط دار بن كثير – بيروت.

(22) فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني ج7 ص196، ط دار طيبة – الرياض، ت: نظر محمد الفَاريابي.

(23) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للإمام بدر الدين العيني ج14 ص277، ط دار الكتب العلمية – بيروت.

(24) السُّنَّة للإمام أبي بكر الخلال ج2 ص434، ط دار الراية – الرياض، ت: د/عطية الزَّهْراني. وسند الرواية صحيح.

(25) السُّنَّة للإمام أبي بكر الخلال ج2 ص447، ط دار الراية – الرياض، ت: د/عطية الزَّهْراني. وسند الرواية صحيح.

(26) شرح صحيح مسلم للإمام محي الدين النووي ج15 ص149، ط مؤسسة قرطبة – مصر.

(27) تاريخ دمشق للإمام أبي القاسم بن عساكر ج59 ص209، ط دار الفكر – بيروت، ت: محب الدين أبي سعيد عمر العمروي.

(28) البداية والنهاية للإمام ابن كثير ج11 ص450 ، ط دار هجر – الجيزة، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.

(29) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج4 ص472 ط مُجَمَّع الملك فهد – السعودية، ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم.

(30) تاريخ دمشق للإمام أبي القاسم بن عساكر ج59 ص206، ط دار الفكر – بيروت، ت: محب الدين أبي سعيد عمر العمروي.

(31) شرح صحيح مسلم للإمام محي الدين النووي ج16 ص93، ط مؤسسة قرطبة – مصر.

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

الرد مصورا على هذه الفرية

فرية نبش قبر معاوية ووجود خيط أسود كالهَبَاء !

قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث

نسف افتراءات د/ عدنان إبراهيم حول الصحابة

فرية نبش قبر معاوية ووجود خيط أسود كالهَبَاء !

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

هذه سلسلة ردود علمية على شبهات عدنان إبراهيم حول أصحاب رسولنا الكريم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

ادَّعى عدنان إبراهيم أنَّ بني العباس نبشوا قَبرَ سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ووجدوا خيطًا أسود كالْـهَبَاء ؟!!

واستدل بمـا قاله الغُمَـارِيُّ الضَّال:

{لـمَّـا مَلَكَ بنو العباس كانوا يحفرون قبور بني أمية, ويخرجون منها عِظامهم وأجسامهم فيحرقونها؛ فحفروا قبر معاوية فلم يجدوا فيه إلا خَيْطاً أَسْوَدَ كالْـهَبَاء }.(1)

وللردِّ على هذه الفرية أقول:

الغُمـاري مؤلف الكتاب ضال مبتدع دائمـًا ما يسيئ القول في أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على الخصوص وبني أمية على العموم.

عموماً فهو لم يأتِ بالرواية من كِيسِهِ وإنمـا أَتَى بالرواية من كتاب تاريخ دمشق للإمام ابن عساكر.

قال الإمامُ ابن عساكر:

{ قرأتُ بِخَطِّ أبي الحسن الرَّازي حَدَّثَنِي أبو العباس محمود بن محمد بن الفضل الرافقي حدثني محمد بن موسى العمي ويعرف بحبش الصيني حدثني علي بن محمد بن سليمان النَّوْفَلِيُّ قال: سمعت أبي يقول قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ دِمَشْقَ، دَخَلَهَا بِالسَّيْفِ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، وَجَعَلَ مَسْجِدَ جَامِعِهَا سَبْعِينَ يَوْمًا إِصْطَبْلًا لِدَوَابِّهِ وَجِمَالِهِ، ثُمَّ نَبَشَ قُبُورَ بَنِي أُمَيَّةَ فَلْمْ يَجِدْ فِي قَبْرِ مُعَاوِيَةَ إِلَّا خَيْطًا أَسْوَدَ مِثْلَ الْهَبَاءِ }.(2)

أولاً: القصة غير صحيحة:

فَسَنَدُهَا مُسَلْسَلٌ بالمجاهيل.

عِلَل الرواية:

1- محمود بن محمد بن الفضل الرافقي, أبو العباس.

2- محمد بن موسى العمي, حبش الصيني.

3- علي بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن نوفل بن الحارث النوفلي.

4- محمد بن سليمان عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب النَّوْفَلِيُّ.

كل هؤلاء مجاهيل لا يُعرفون, ولم أجد لهم ترجمة في كُتُبِ الرِّجَال.

ورواية المجهول عندنا لا يُحتج بها.!

قال الإمامُ أبو عمرو بن الصلاح:

{ الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ }.(3)

قال الإمام ابن كثير:

{ فَأَمَّا الْـمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ مَنْ سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا مِمَّنْ لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ }.(4)

قال الإمام ابْنُ حجر العسقلاني:

{ إِذْ الْـمَجْهُوْلُ غَيْرُ مُـحْتَجٍّ بِهِ }.(5)

تنبيه:

هذه القصة الغريبة ذكرها الإمام ابن كثير في البداية والنهاية وبنفس هذا السياق دون تعليق.(6)

وكما ترى عزيزي القارئ الكريم أنَّ هذه الرواية لا دليل على صحتها على الإطلاق.

فكيف أتى الدكتور عدنان إبراهيم برواية كهذه ليطعن في أمير المؤمنين سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ؟

وهل هذا هو البحث العلمي والتحقيق والتدقيق الذي صدع الدكتور عدنان به رؤوسنا ليل نهار ؟

وقد وقعتُ على حلقة فضائية له مع الإعلامي المحترم عبد الله المديفر يقول فيها أنه يعتذر عما قاله عن الصحابة ولكنه في نفس الوقت قال أنَّ كلَّ ما قاله عن الصحابة ثابت عنهم في كتبنا !!

فهل هذه الروايات ثابتة يا عباد الله ؟ هل هذه الرواية عن نبش قبر معاوية لها سند صحيح ؟؟

ثانياً: نفي صحة الرواية عَقْلاً:

أقول وبالله التوفيق: أنَّ مَنْ يَتَأَمَّلْ جيداً في هذه الرواية ربما تدور برأسه بعض الأسئلة !

س1: كيف عَرَفَ نابشُ القبر أنَّ ما نَبَشَهُ هو قبر معاوية بن أبي سفيان نفسه؟

س2: لو كان القبر بالفعل لمعاوية، فما الذي يضمن لنا أنَّ نابش القبر صادقٌ في قِيلِه؟

س3: الرواية تقول أنَّ نابشَ القبرِ جعل المسجدَ الجامعَ في دمشق 70 يوماً اسطبلاً للخيول، فهل فاعل مثل هذا الفعل الأثيم يؤتمن على قولٍ يقوله, أو موقفٍ ينقله, أو روايةٍ يرويها؟

س4: هل من ينبش قبور المسلمين كما فعل هذا النابش يكون قد فعل خيراً أم شراً ؟

ثالثاً: حُكْمُ نَبْشِ قُبُورِ المسلمين:

قال الإمام الرُّعينيُّ المالكي:

{ الْقَبْرُ حَبْسٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْبَشُ ما دَامَ بِهِ }.(7)

قال الإمام النووي الشافعي:

{ وَأَمَّا نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ }.(8)

قال الإمام البهوتي الحنبلي:

{ (وَلَا يُنْبَشُ قَبْرُ مَيِّتٍ بَاقٍ ، لِمَيِّتٍ آخَرَ) أَيْ : يَحْرُمُ ذَلِكَ ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ }.(9)

رابعاً: ثُمَّ ماذا يا عدنان؟:

ماذا بعد هذا التطاول على هذا الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه ؟

ماذا تهدف من إسقاطه في قلوب أتباعك ومريديك ؟

وماذا أنت قائل لربك يوم القيامة حينما يسألك عن هذا الطعن والغمز واللمز؟

لماذا لم يحفظ عدنان إبراهيم وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه ؟

روى الإمامُ ابن أبي شيبة:

{ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي }.(10)

ووالله لقد رآه سيدُنا معاويةُ وَصَاحَبَهُ سنواتٍ, فاللهَ اللهَ في سيدنا معاوية بن أبي سفيان.

قال الإمامُ الخطيب البَغْدَادِيُّ:

{ وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الصَّحَابَةِ , وَالْقَطْعَ عَلَى تَعْدِيلِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ , فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمُ الْمُطَّلِعِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ إِلَى تَعْدِيلِ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لَهُمْ , فَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى أَحَدِهِمْ ارْتِكَابُ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا قَصْدَ الْمَعْصِيَةِ , وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ , فَيُحْكَمُ بِسُقُوطِ عَدَالَتِهِ , وَقَدْ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ , وَرَفَعَ أَقْدَارَهُمْ عَنْهُ , عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ فِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَأَوْجَبَتِ الْحَالُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا , مِنَ الْهِجْرَةِ , وَالْجِهَادِ , وَالنُّصْرَةِ , وَبَذْلِ الْمُهَجِ وَالْأَمْوَالِ , وَقَتْلِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ , وَالْمُنَاصَحَةِ فِي الدِّينِ , وَقُوَّةِ الْإِيمَـانِ وَالْيَقِينِ – الْقَطْعَ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَالِاعْتِقَادَ لِنَزَاهَتِهِمْ , وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمُعَدَّلِينَ وَالْمُزَكَّيْنَ

 الَّذِينَ يَجِيؤُنَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَبَدَ الْآبِدِينَ. هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ }.(11)

لاحظ عزيز القارئ قوله: { هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَـاءِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ }.

فالخطيب يقرر ونقل أن هذا هو موقف كافة العلماء !

فأين عدنان من هذا ؟

فما هذا الذي يفعله عدنان إبراهيم ؟

إليك ما قاله الخطيب البغدادي عما يفعله عدنان إبراهيم:

{ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَى أَنَّ حَالَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ مَرْضِيَّةً إِلَى وَقْتِ الْحُرُوبِ الَّتِي ظَهَرَتْ بَيْنَهُمْ , وَسَفْكِ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ , فَصَارَ أَهْلُ تِلْكَ الْحُرُوبِ سَاقِطِي الْعَدَالَةِ}.(12)

فلماذا يقف الدكتور عدنان في صف أهل البدع الذي ينتقصون أصحاب رسولنا الكريم بأبي هو وأُمِّي صلى الله عليه وسلم ؟

وماذا يستفيد عدنان من مخالفته الصريحة الجريئة لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وما الذي جناه من جراء الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الخوض في أعراض أصحابه وأمرنا بالإمساك عنهم.

روى الإمام الطبراني:

{ عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا»}.(13)

فمن امتثل أمر نبيه أفلح، وَمَنْ تَنَكَّبَ طريقه ضَلَّ سعيه في الدنيا والآخرة.

{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة النور 63.

 

مراجع البحـث:

 (1)  أنساب الأشراف للإمام أحمد بن يحيى البلاذري ج11 ص70، ط دار الفكر – بيروت، ت: د/سُهَيل زَكَّار, د/رياض زركلي.

 (2)  تاريخ دمشق للإمام أبي القاسم بن عساكر ج53 ص126 ، ط دار الفكر – بيروت، ت: محب الدين أبي سعيد عمر العمروي.

 (3)  علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ، دار الفكر – سوريا  ، ت: نور الدين عنتر

 (4)  الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للإمام بن كثير ص92، ط دار الكتب العلمية – بيروت ، تأليف أحمد شاكر.

 (5)  لسان الميزان للإمام ابن حجر العسقلاني ج1 ص198، ط دار البشائر الإسلامية – بيروت، ت: عبد الفتاح أبو غدة.

 (6)  البداية والنهاية للإمام ابن كثير ج13 ص259، ط دار هجر – الجيزة، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.

 (7)  مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للإمام شمس الدين الحطاب الرُّعينيّ ج3 ص74، ط دار عالم الكتب – بيروت. ت: زكريا عميرات.

 (8)  المجموع شرح المهذب للإمام محي الدين النووي ج5 ص303، ط دار الفكر – بيروت، ت: محمد نجيب المطيعي.

 (9)  كشاف القناع عن متن الإقناع للإمام منصور بن يونس البهوتي ج4 ص422، ط دار الفكر – بيروت، ت: هلال مصيلحي.

(10) المصنف للإمام أبي بكر بن أبي شيبة ج17 ص308 ، ط دار القبلة –  جَدَّة، مؤسسة علوم القرآن –  دمشق، ت: محمد عوامة.

(11) الكفاية في علم الرواية للإمام الخطيب البغداديص48، ط المكتبة العلمية – المدينة المنورة، ت: أبو عبدالله السورقي , إبراهيم حمدي المدني.

(12) الكفاية في علم الرواية للإمام الخطيب البغداديص49، ط المكتبة العلمية – المدينة المنورة، ت: أبو عبدالله السورقي , إبراهيم حمدي المدني.

(13) المعجم الكبير للإمام سليمـان بن أحمد الطبراني ج2 ص96, ط مكتبة بن تيمية – القاهرة، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

الرد على هذه الفرية مصوراً