أرشيف المدونة
شبهة قراءة “وقضى ربك” أم “ووصى ربك”!
قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
نسف أكاذيب النصارى حول القرآن الكريم
شبهة رواية “ووصى ربك” التصاق الواو بالصاء “وقضى ربك”
لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى حول عصمة القرآن الكريم.
قالوا كيف تقولون أن كتابكم محفوظ من التغيير وعندكم رواية تقول أن الآية (23) من سورة الإسراء تَغَيَّرتْ مِنْ {وَوَصَّى رَبُّكَ} إِلَى {وَقَضَى رَبُّكَ}؟!
واستدلوا بمـا رواه الطبري في تفسيرهقَالَ:
{ حَدَّثَنِي الْـحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، أَنَّهُ قَرَأَهَا:{وَوَصَّى رَبُّكَ} وَقَالَ: إِنَّهُمْ أَلْصَقُوا الْوَاوَ بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا }.(1)
وللرد على هذا الافتراء أقول:
أولاً: الرواية غير صحيحة:
فالسندُ فيه راوٍ مُدَلِّس وراوٍ آخر ضعيف واهي الحديث.
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً تجتمع فيه شروط قبول الرواية بقسميه الصحيح والحسن، ويجب أن تنطبق على الحديث الصحيح شروط خمس وهي:
(1) اتصال السند.
(2) عدالة الرواة.
(3) ضبط الرواة.
(4) انتفاء الشذوذ.
(5) انتفاء العلة.
قال الإمام أبو عمرو بنُ الصلاح: { أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا، وَلا مُعَلَّلًا }.(2)
علل الرواية:
العِلَّة الأولى:هُشَيْم ابْنُ بَشِير مُدَلِّس وقد عَنْعَنَ الحديث.
فهذا الراوي رغم أنه كان ثِقَةً ثَبْتاً في الحفظ إلا أَنَّهُ كان يُدَلِّسُ بلفظة (عن).
قال الإمام الذَّهَبِيُّ.
{ هُشَيْم ابْنُ بَشِير…كَانَ رَأْساً فِي الحِفْظِ، إِلاَّ أَنَّهُ صَاحِبُ تَدْلِيسٍ كَثِيْرٍ، قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ}.(3)
فما هو معنى التدليس في سند الحديث ؟
قال الإمامُ صَلَاحُ الدِّينِ العَلَائِيُّ:
{ يَرْوِي الرَّاوِي عَنْ شَيْخِهِ حَدِيْثاً لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ بِلَفْظِ (عَنْ) أَوْ (قَالَ) أَوْ (ذَكَرَ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُوْهِمُ الاتِّصَالَ وَلَا يُصَرِّحُ بِحَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا وَلَا سَمِعْتُ }.(4)
فما حكم رواية الـمُدَلِّس ؟
رواية المدلس لا يقبلها علماءُ الحديث إلا إذا صَرَّحَ فيها بالسمـاع من شيخه بألفاظ صريحة.
قال الإمامُ أبو عمرو بن الصلاح:
{ والـمُدَلِّسُ لَا يُحْتَجُّ مِنْ حَدِيْثِهِ إِلَّا بِمَـا قَالَ فِيهِ حَدَّثَنَا أَوْ غَيره مِنَ الْأَلْفَاظِ الْـمُبَيِّنَةِ لِسَمَـاعِهِ }.(5)
العلة الثانية: أبو إسحاق الكوفي عبد الله بْنُ مَيْسَرَة ضعيف الحديث.
قال الإمام الذهبي:
{ عبد الله بن ميسرة أبو ليلى، وهو أبو إسحاق وأبو جرير وأبو عبد الجليل, كَنَّاهُ بهذه الأربعة هُشَيمٌ يُدَلِّسُهُ:
ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ.
وقال مَرَّةً: ليس بثقة.
وقال مَرَّةً: ليس بشيء.
وقال البخاريُ: ذَاهِبُ الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة }.(6)
إذاً، فأبو إسحاق الكوفي هذا ضعيفُ الحديث, ومن قبله تدليس هُشَيم بن بشير.
فهاتانِ عِلَّتَانِ, إذا وُجِدَتْ عِلَّةٌ واحدةٌ منهمـا لرفضنا الروايةَ بسببها, فَكَيْفَ بهما معاً ؟!
وبالتالي فالرواية ضعيفة وغير مقبولة.
ثانياً: كتب أخرى تذكر الرواية:
قال الإمام البوصيريُّ:
{ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَـا ، قَالَ : أَنْزَلَ اللَّهُ , عَزَّ وَجَلَّ , هَذَا الْـحَرْفَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : {وَوَصَّى رَبُّكَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}, فَلُصِقَتْ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ بِالأُخْرَى، فَقَرَأَ لَنَا { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ } وَلَوْ نَزَلَتْ عَلَى الْقَضَاءِ مَا أَشْرَكَ بِهِ أَحَدٌ فَكَانَ مَيْمُونُ يَقُولُ: إِنَّ عَلَى تَفْسِيرِهِ لَنُورًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا }.(7)
وطبعاً البُوصَيري ليس هو مَنْ يروي عن أحمد بن منيع, وإنما نَقَلَ البُوصيري هذه الرواية مِنْ مُسند
أحمد بن منيع، وهذا سَنَدٌ سَاقِط تَالِف, وَيَكْفِينَا ما قاله عنه صاحبُ الكتاب نفسه وهو البُوصَيرِيُّ.
قال الإمام البُوَصيرِيُّ:
{ هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ }.(7)
والفرات بن السائب كما قال عنه الإمامُ البُوصَيري.
قال الإمام الذَّهَبِيُّ: { فُرات بن السائب، أبو سليمان:
قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وقال ابْنُ مَعِينٍ: ليس بشيء.
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ وغيره: متروك.
وقال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: قريب من محمد بن زياد الطحان، في ميمون، يُتَّهَم بِمَـا يُتَّهَم به ذَاكَ }.(8)
فَهَلْ مِثْلُ هذا الشخص المتروك الـمُتَّهَم، تُقبل منه رواية عند عاقل من العقلاء ؟
سند آخر:
قال الإمام سعيدُ بنُ منصور:
{ نا سفيان, عن عبد الملك بن أعين، عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس، أنه قال: (ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)، يقول: التزقت الواو بالصاد، وأنتم تقرؤونها: { وَقَضَى رَبُّكَ } }.(9)
عِلَّة الرواية: عبد الملك بن أعين.
قال الإمام أبو الـحَجَّاجِ الـمِزِّيُّ:
{ قال محمد بن المثنى: ما سمعت عبد الرحمن بن مهدي يحدث عن سفيان عن عبد الملك بن أعين، وكان يُحدِّث فيما أخبرت عنه ثم أمسك.
وقال الحميدي عن سفيان: حدثنا عبد الملك بن أعين، شيعي كان عندنا رافضي صاحب رأي.
وقال محمد بن عباد المكي عن سفيان حدثنا: عبد الملك بن أعين وكان رافضياً.
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء.
وقال أبو عبيد الأجرِّي عن أبي داود حدثنا حامد قال حدثنا سفيان قال: هم ثلاثة إخوة عبد الملك بن أعين وزرارة بن أعين وحمران بن أعين، روافض كلهم, أخبثهم قولاً عبد الملك.
وقال أبو حاتم: هو من عتق الشيعة، محله الصدق، صالح الحديث، يُكتب حديثه.
وذكره بن حبان في كتاب الثقات وقال: كان يتشيع }.(10)
وعبدُ الملك بنُ أَعْيَن ذَكَرَهُ البخاريُّ في كتابه الضعفاء وقال:
{ عبد الملك بن أعين, كان شيعياً…يُحْتَمَل في الحديث }.(11)
واحتماله في الحديث لا يعني احتماله إذا انفرد, بل انفراده غير مُحْتَمَل، وخصوصاً في روايةٍ كهذه، وإنما يُحْتَمَل في وجود متابع قويٍّ فقط، بدليل ذِكْرِ الإمام البُخاري له في كتاب الضعفاء.
وإنما ذكرتُ هذا الكلام حتى لا يقولنَّ قائل: كيف تُضَعِّفُون عبدُ الملكِ بنُ أعين وقد رَوَى له البخاريُّ في صحيحه.
فأقول أنَّ الإمامَ البخاريَّ إنما رَوَى له مقروناً بغيره, وليس احتجاجاً به.
فقد أثبتنا الآن أنَّ البخاريَّ نفسه يُضَعِّفُهُ, ولا يحتج به. فكيف نحتج به في رواية كهذه ؟
هذا وقد ذَكَرَهُ الإمامُ ابنُ الجوزي في كتابه الضعفاء والمتروكين.(12)
كما ذَكَرَهُ الإمامُ الذهبي في كتابه الـمُغْنِي في الضعفاء.(13)
كذا ذَكَرَهُ الإمامُ العُقَيلي في كتابه الضعفاء.(14)
ثالثاً: رواية قراءة ابن مسعود:
لا يفوتني أنْ أنبِّه أنَّ الإمامَ الطبرانيَّ في كتابه “المعجم الكبير” ذَكَرَ رواية أخرى بلفظٍ آخر فقال:
{ حَدَّثَنَا الْـحُسَيْنُ ابْنُ إِسْحَاقَ، ثنا يَحْيَى الْحِمَّـانِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، يَقْرَأُ: “وَوَصَّى رَبُّكَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ” }.(15)
وأقول أنَّ هذه الرواية في حالة صِحَّتِهَا لَيسَ فيها شيءٌ على الإطلاق إِذْ أنَّ هذه القراءةَ ستكون مُجَرَّدَ قراءةٍ مَنْسُوخَةٍ مع القِرَاءَاتِ التي نُسِخَتْ قبل العَرْضَةِ الأخيرة.
وأرجو أن تُلاحظ عزيزي القارئ الكريم أن الرواية تتكلم عن قراءة ابن مسعود وليس مصحفاً مكتوباً كالرواية الباطلة الأولى التي تتحدث عنْ أنَّ التغيير وقع في المكتوب وليس المقروء.
ثم نقول أن هذه الرواية في حالة صحتها أيضا فهي قراءة شاذة عن القراءة الـمُجْمَعِ عليها مِنْ كُلِّ المسلمين في شَتَّى بِقَاعِ الأرض.
ولكن سند هذه الرواية لا يصح، ففي سَنَدِهَا عِدَّةُ عِلَل.!
علل الرواية:
العِلَّة الأولى:يحيى الحِمَّـانيمنكر الحديث.
قال الإمام الذهبي: { يحيى بن عبد الحميد الـحِمَّـانِيُّ حافظٌ منكر الحديث.
وقَدْ وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغَيرُه.
وقال أحمدُ ابنُ حنبل: كان يَكْذِبُ جِهَاراً.
وقال النَّسَائِيُّ: ضعيف }.(16)
العِلَّة الثانية:الأعمش لم يُدْرِكْ الصحابيَّ عبدَ اللهِ ابنَ مسعود.
فَسَيِّدُنا عَبْدُ الله ابْنُ مسعود رضي الله عنه تُوُفِّيَ عام 32 من الهجرة النبوية.
قال الإمام الذهبي:
{تُوُفِّيَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ}.(17)
أمَّا الإمام سُلَيمـانُ بنُ مهران الأعمش فَوُلِدَ عام 61 من الهجرة النبوية.
قال الإمام الذهبي:
{ وُلدَ بِقَرْيَةِ أُمِّهِ مِنْ أَعْمَـالِ طَبَرِسْتَانَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ}.(18)
وهذا انقطاعٌ طويلُ بينهما يصل لـ 21 عاماً, مما يجعلنا نحكم على الرواية بالضعف لهاتين العِلَّتينِ.
سند آخر لرواية قراءة ابن مسعود:
قال الإمام الطبريُّ:
{ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[ قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وفي حرف ابن مسعود: (وَصَّى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) }.(19)
وهذا السَّنَدُ صحيحٌ إلى قَتَادة بن دعامة, ولكن قتادة نفسه لم يدرك عبد الله بن مسعود.
فَسَيِّدُنا عَبْدُ الله ابْنُ مسعود رضي الله عنه تُوُفِّيَ عام 32 من الهجرة النبوية، انظر هامش رقم (17).
وأما قتادة بن دعامة السدوسي فقد وُلِدَ سنة 60 من الهجرة.
قال الإمام الذهبيُّ:
{ قَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ بنِ قَتَادَةَ…مَوْلِدُه: فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ }.(20)
فبينهما انقطاع حوالي 28 سنة بين مولد قتادة ووفاة عبد الله بن مسعود.
هذا إذا كان قتادة يقصد بكلامه بحرف ابن مسعود أي القراءة.
فهو قطعاً لم يسمع منه, ويضاف إلى هذا أنَّ قتادةَ مُدَلِّسٌ مشهور بالتدليس.
وبلا شك أن هذا الكلام بَلَغَ قتادةَ عن شخص آخر عن ابن مسعود, وهذا يعني انقطاعاً في السند بين قتادة وبين ابن مسعود, فيكون السند بهذا ضعيفاً.
وإما أن يكون قتادة يقصد بالحرف أي الحرف المكتوب في مصحف ابن مسعود, فلنا على ذلك ردود.
أولاً: أنَّ القراءة المنقولة بالسند الصحيح المتصل المتواتر عن عبد الله بن مسعود وعن كل الصحابة هي قراءة ]وَقَضَى رَبُّكَ[ وليس {وَوَصَّى رَبُّكَ}.
ثانياً: إجماع الأمة الإسلامية على قراءة ]وَقَضَى رَبُّكَ[. فتكون قراءة { وَوَصَّى رَبُّكَ } قراءة شاذة.
ثالثاً: الرسم العثماني الذي أجمعت عليه الامة الإسلامية على قراءة ]وَقَضَى رَبُّكَ[ وليس {وَوَصَّى رَبُّكَ}.
رابعاً: عندنا في دين الإسلام العظيم شروط ثلاثة لقبول القراءة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1) اتصال السند.
2) موافقة الرَّسْم العُثمـاني وَلَوِ احتمالاً.
3) موافقة وَجْهٍ من أَوْجُهِ النَّحْو.
قال الإمامُ ابنُ الـجَزَرِيِّ:
{ كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ، وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَـانِيَّةِ وَلَوِ احْتِمَـالًا وَصَحَّ سَنَدُهَا، فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلَا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا، بَلْ هِيَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ، أَمْ عَنِ الْعَشْرَةِ، أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْـمَقْبُولِينَ، وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ…هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ}.(21)
وهذه الرواية لا نَعْلَمُ لها سَنَداً صحيحاً مُتَّصِلاً ، كما أنَّها مُخَالِفَةٌ للرَّسْمِ العُثْمَـانِي الـمُجْمَعِ عليه على مَدَارِ التاريخ الإسلامي. وكل ما خالف هذه الشروط الثلاثة لا عبرة به, ولا قيمة له.
رابعاً: في حالة صحة رواية قتادة:
أقول أنه في حالة صِحَّةِ الرواية عن قتادة, ولو ثبت بالفعل أن عبد الله بن مسعود كان يقرأ الآية هكذا, فنستطيع أن نقول أن هذه القراءة مِن مَنْسُوخ التلاوة, وأنَّ هذا كان حَرْفاً أَقْرَأَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه, ثم نُسِخَ مع ما نُسِخَتْ تلاوته.
وإنما قلت هذا, لأنَّ الصحابي عبد الله بن مسعود حَضَرَ العَرْضَةَ الأخيرة التي عَارَضَ فيها جبريلُ القرآنَ الكريمَ مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, و العَرْضَةُ الأخيرة هي القرآنُ الموجودُ اليومَ بين أيدينا بإجماع علماء الأمة الإسلامية، قديماً وحديثاً, سلفاً وخلفاً, لا أعلم في هذا مخالفاً.
روى الإمامُ البخاري في صحيحه:
{ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَـا, فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ:مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ, قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ: فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ}.(22)
فهذه شهادة عزيزة غالية على حفظ القرآن الكريم على ما هو عليه بعد العرضة الأخيرة.
تنبيه:
استدل بَعْضُهُمْ بأنَّ الإمامَ ابْنَ حَجَر العسقلاني جَوَّدَ سَنَدَ رواية سعيد بن منصور في سننه رَدًّا على الزمخشري في إنكاره للرواية، فقال: { أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْهُ }.!
وَلَكِنْ مِمَّا يُؤْسَفُ له أنَّ النصراني الذي اعتاد على التَّدْلِيسِ والْكَذِبِ تَأَسِّياً ببولس، حَذَفَ بَقِيَّةَ تعليقِ الإمامِ ابنِ حجر العسقلاني على الرواية وإليك كلام الإمام ابن حجر العسقلاني كاملاً:
قال الإمام ابن حجر العسقلاني:
{ وَقد جَاءَ عَن ابن عَبَّاسٍ نَحْوُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهُ تَعَالَى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه } قَالَ: {وَوَصَّى}. الْتَزَقَتِ الْوَاوُ فِي الصَّادِ. أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْهُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا الْـمُعْتَمَدُ، لَكِنَّ تَكْذِيبَ الْمَنْقُولِ بَعْدَ صِحَّتِهِ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ أَهْلِ التَّحْصِيلِ فَلْيُنْظَرْ فِي تَأْوِيلِهِ بِمَـا يَلِيقُ بِهِ }.(23)
أقول: ولكن هذا الكلام المنقول عن ابن عباس لم يَصِحَّ سنداً حتى نَنْظُرَ في تأويله بما يليق.
ثم إن الإمام ابن حجر العسقلاني قال:{ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا الْـمُعْتَمَدُ }. وهذا يعني أنه يرى السندَ جيداً ولكنه لا يُصَحِّحُ المتن على ظاهره, بدليل أنه لم يعتمده, بل قال أنَّ غيرَه هو المعتمد, فتنبه.!
ثم إنَّ الإمامَ ابنَ حَجَر قال: { فَلْيُنْظَرْ فِي تَأْوِيلِهِ بِمَـا يَلِيقُ بِهِ }. وهذا يعني أن لا نأخذ هذا المتن على
ظاهره لأن ظاهره يخالف ما أجمعت عليه أمة الإسلام العظيم منذ زمن الصحابة إلى يومنا هذا.
وقد بَيَّنَّا مِن قبل أن عبد الملك بن أعين راو القصة، وضعه البخاري نفسه في كتابه الضعفاء.!
فكيف يكونُ السندُ جيداً كما قال الإمامُ ابنُ حَجَر العَسْقَلَاني ؟!
أقول: أنه رُوِيَتْ بَعْضُ الروايات بأنَّ هذه الآية في مصحف أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه كانت مكتوبة هكذا: “وَوَصَّى رَبُّكَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ”.
ولا توجد رواية واحدة صحيحة في الروايات التي تقول أنها كانت {ووصى} الواو التزقت بالصاد فأصبحت {وَقَضَى}.
أكرر كلامي بأنَّ كل الروايات التي تقول بهذا القول ليست بصحيحة، مع مخالفتها لإجماع الأمة الإسلامية.
سند رواية قراءة أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ:
قال الإمام الطبريُّ:
{ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا نُصَيْرُ ابْنُ أَبِي الأَشْعَثِ، قَالَ: ثني ابْنُ حَبِيبِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَعْطَانِي ابْنُ عَبَّاسٍ مُصْحَفًا، فَقَالَ: هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قال أبو كريب: قال يحيى: رأيت المصحف عند نصير فيه: {ووصى ربك} يعني: وقضى ربك}.(24)
قلتُ: وهذا سند ضعيف بسبب يَحْيَى بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيِّ.
قال الإمام أبو حاتم بنُ حبان:
{ يحيى بن عيسى بن محمد التميمي الرملي…وَكَانَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ وَكَثُرَ وَهْمُهُ حَتَّى جَعَلَ يُخَالِفُ الْأَثْبَاتَ فِيمَـا يروى عن الثقات ; فَلَمَّـا كَثُرَ ذلك في روايته بَطَلَ الاحْتِجَاجُ به.
أخبرنا محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا ابن أبى شيبة: سمعت يحيى بن معين – وذكر له يحيى بن عيسى الرملي – فقال: كان ضعيفا.
سمعت محمد بن محمود: سمعت الدارمي: قلت ليحيى بن معين: فيحيى بن عيسى الرملي تعرفه ؟ قال: نعم ما هو بشيء}.(25)
ونقول كمـا قلنا مِنْ قبل أنَّ الروايةَ تعني أنَّ الآيةَ بالفعل أقرأها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
له بهذا الشَّكْلِ وَلَكِنَّ ذلك نُسِخَ مَعَ مَا نُسِخَتْ تلاوتُه في العرضة الأخيرة.
تنبيه:
يستدل بَعْضُ مَنْ لا عِلْمَ لَهُ من جُهَّالِ النَّصَارَى بأنَّ كلمة وَوَصَّى هي الصحيحة لأن كلمة وقضى تعني الحتم والإلزام. مستدلين برواية ابن عباس وقوله فيها: { وَلَوْ نَزَلَتْ عَلَى الْقَضَاءِ مَا أَشْرَكَ بِهِ أَحَدٌ }.!
بمعنى أن الآية إذا كانت {وَقَضَى} فهذا يعني أنه أمر نافذ على الجميع, ليس للبشر يَدٌ في مخالفته. وعليه فلن يكون في الأرض مشرك واحد لأن الله قضى بعدم الشرك.
وهذا من أعجب ما سمعت من جهال النصارى والمنصرين.
أولاً: لقد بينا أن الرواية في سندها “الفُرات بن السائب” وهو متروك الحديث.
ثانياً: معنى القَضَاءِ في الآية هو أمر الله بعدم الوقوع في الشرك.
قال الإمام ابن منظور:
{ وقوله تعالى وقَضَى ربُّك أَن لا تعبدوا إِلاَّ إِياه أَي: أَمَرَ رَبُّكَ وَحَتَمَ وهو أَمر قاطع حَتْمٌ }.(26)
ثالثاً: هؤلاء الجهلة لا يفرقون بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية.
فأما الإرادة الشَّرعية: هو ما يحبه الله لعباده من الـهُدَى والإيمان فأمرهم به وحثهم عليه. وهي التي يحاسب الله عليها عباده بحسب امتثالهم لها أو إعراضهم عنها. ومنها قوله تعالى { وَاللَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُم }. ومع ذلك فكثير من أهل الأرض لا يتوبون, فَدَلَّ ذلك على أنها إرادة شرعية.
وأما الإرادة الكونية: فهي قَدَرُ الله النَّافِذُ على خلقه سواءً أحبه الله أو أبغضه, ولا مجال ولا سبيل لأحد أن يخالفها أو يعارضها, ومنها قوله تعالى: { إِنَّمَـا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون }. وإذا أراد الله تعالى أن يفعل شيئاً فمن ذا الذي يستطيع أن يخالفه أو يعارضه ؟!
فأراد هؤلاء الجُهَّالُ أنْ يَحْمِلُوا معنى الآيةَ على أنَّ الله قضى ألا يشرك به أحد, وهذا أمر نافذ لن يخالفه أحد, في حين أنها إرادة شرعية وليست كونية, بمعنى أن الله أمر بذلك وأراده شرعًا.
فمن استجاب له أثابه الله, ومن خَالَفَه عاقبه الله، مثل “شرب الخمر” فقد حرمه الله، ومع ذلك نرى الناس يشربونه, ومنهم مسلمون !!
خامساً: نقولات مهمة لبعض العلمـاء:
ذكر كثيرٌ مِن العلماء أنَّ المرويَّ باستفاضةٍ عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وغيرهما هو قراءة {وَقَضَى}.
قال الإمام أبو حيان الأندلسي:
{ وفي مصحف ابن مسعود وأصحابه وابن عباس وابن جبير والنخعي وميمون بن مهران من التوصية . وقرأ بعضُهم : وأوصى من الإيصاء ، وينبغي أن يحمل ذلك على التفسير, لأنها قراءة مخالفة لسواد المصحف والمتواتر هو {وَقُضِىَ} وهو المستفيض عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم في أسانيد القراء السبعة {وَقُضِىَ} هنا قال ابن عباس والحسن وقتادة: بمعنى أمر }.(27)
سادساً: الإجماع على قراءة {وَقَضَى}:
قال الإمام ابن الجوزي:
{ قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ } روى ابنُ أبي طلحة عن ابن عباس قال : أمَر ربك . ونقل عنه الضحاك أنه قال : إِنما هي «ووصى ربك» فالتصقت إِحدى الواوين ب «الصاد» ، وكذلك قرأ أُبيُّ بن كعب ، وأبو المتوكل ، وسعيد بن جبير : «ووصى» ، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإِجماع، فلا يُلْتَفَتُ إِليه }.(28)
فهذا إجماع أمتنا الإسلامية العظيمة على قراءة { وقضى ربك }.
سابعاً: من فمك أُدينك:
ألمْ ينظر هذا النصراني إلى ما في كتبه ؟ ألمْ يَرَ حَجْمَ التحريفات والتخريفات التي شَوَّهَتْ كتابه ؟
ألا يستحي هذا النصراني من نفسه، وهو يُؤمن بكتاب أصابته جميعُ أنواعِ التحريفِ والتزييفِ، ثُمَّ يأتي ليتهجم بلا وعي على أَصَحِّ كِتًابٍ عَلَى وجه الأرض ؟!
سأضرب مثالاً واحداً بسيطاً على التحريف في كتاب النصارى من العهد الجديد.
ومن أراد المزيد فليرجع إلى سلسلة تحريف الكتاب المقدس على قناة مكافح الشبهات.
جاء في كتاب النصارى يوحنا 9:
{ 35فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجاً، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللَّهِ؟» 36أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟» 37فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ!». 38فَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ!». وَسَجَدَ لَهُ }.(29)
وهذه الجملة { أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللَّهِ} هي محل بحثنا الآن.
جدير بالذكر أن هذه الترجمة العربية التي نقلت منها هذه الفقرات هي ترجمة الفانديك البيروتية.
ولكن من يتصفح بقية الترجمات يجد شيئاً عجيباً.!
تقول الترجمة الرهبانية اليسوعية:
{ فسَمِعَ يسوع أَنَّهم طَردوه. فلَقِيَه وقالَ له: «أَتُؤمِنُ أَنتَ بِابنِ الإِنسان ؟» }.(30)
تقول الترجمة العربية المشتركة:
{ فسَمِعَ يسوع أَنَّهم طَردوه. فقال له عِنْدَمَا لَقِيَه: «أَتُؤمِنُ أَنتَ بِابنِ الإِنسان ؟» }.(31)
تقول الترجمة البولسية:
{ وسَمعَ يَسوعُ أَنَّهم طَرَدوهُ، فَلَقِيَهُ وقالَ لَهُ: «أَتُؤْمِنُ بابْنِ البَشر» }.(32)
تقول الترجمة العربية المبسطة:
{ 35 وَسَمِعَ يَسُوعُ أنَّهُمْ طَرَدُوا الرَّجُلَ، فَوَجَدَهُ وَقالَ لَهُ: « أتُؤْمِنُ بابْنِ الإ نسانِ؟ »}.(33)
فما الذي حدث ولماذا تغيرت كلمة (ابن الله) إلى (ابن الإنسان) ؟
والواقع أن العكس هو الصحيح, أي أن النص كان يقول (ابن الإنسان) وتم تحريفه في مخطوطات العهد الجديد التي ترجموا منها ترجمة الفانديك إلى (ابن الله).
ولكن بالرجوع إلى المخطوطات القديمة المكتشفة مؤخراً, وجد العلماء أنَّ النص يقول (ابن الإنسان) وليس (ابن الله).!
فكان النص في المخطوطات القديمة هكذا وهذا اقتبسته من نُسخة نستل ألاند بعد ترجيحه له:
Ἤκουσεν Ἰησοῦς ὅτι ἐξέβαλον αὐτὸν ἔξω, καὶ εὑρὼν αὐτὸν εἶπεν, Σὺ πιστεύεις εἰς τὸν υἱὸν τοῦ ἀνθρώπου;
ثم بعد التحريف صار النَّصُّ هكذا:
ηκουσεν ο ιησους οτι εξεβαλον αυτον εξω και ευρων αυτον ειπεν αυτω συ πιστευεις εις τον υιον του θεου
والفرق ظاهر بين النصين فكلمة {θεου} تعني {الله} بينما كلمة {ἀνθρώπου} تعني {إنسان}.
وجاء في كتاب “العهد الجديد يوناني عربي بين السطور” لـ بولس الفغالي وأنطوان عوكر .(34)
يقول الأب متى المسكين:
{ كان يظنه أولاً أنه نبي، ولكن لما عَلِمَ أن الواقف أمامه والذي يرى وجهه ويتكلم معه هُوَ هُوَ ابن الله,صاحب الملكوت، والحامل لمفاتيح باب الحياة خَرَّ أمامه ساجداً }.(35)
وهذا النص من النصوص التي تَمَّ تحريفُها من أجل تدعيم عقيدة لاهوتية.
تقول دائرة المعارف الكتابیة:
{ وقد حدثت أحيانا بعض الإضافات لتدعيم فكر لاهوتي كما حدث في إضافة عبارة (والذين يشهدون في السماء هم ثلاثة) 1يو5-7 حيث أن هذه العبارة لا توجد في أي مخطوطة يونانية ترجع إلى ما قبل القرن الخامس عشر ولعل هذه العبارة جاءت أصلا في تعليق هامشي في مخطوطة لاتينية وليس كإضافة مقصودة إلى نص الكتاب المقدس ثم أدخلها أحد النساخ في صلب النص }.(36)
ولستُ هنا بصدد التفصيل في تحريف هذا النص فإنَّ لذلك بَحْثاً مُفَصَّلاً بمشيئة الله على القناة والمدونة.
تقول الترجمة الرهبانية اليسوعية:
{ إنَّ نُسَخَ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة بل يُمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية ولكن عددها كثيرٌ جداً على كل حال، هناك طائفة من الفوارق لا تتناول سوى بعض قواعد الصرف والنحو أو الألفاظ أو ترتيب الكلام، ولكن هناك فوراق أخرى بين المخطوطات تتناول معنى فقرات برمتها.
واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير ، فإن نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت ، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون أن تتصف أي نسخة كانت – مهما بُذل فيها من الجهد بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه ، يُضاف إلى ذلك أن بَعْضَ النُّسَّاخِ حاولوا أحياناً ، عن حُسْنِ نية أن يُصَوِّبُوا ما جاء في مِثَالِهم وبَدَا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي ، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ ، ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن استعمال كثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدَّى أحيانا كثيرة إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليه التلاوة بصوت عالٍ .
ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مَرِّ القرون تراكم بعضُه على بعضِه الآَخَر . فكان النَّصُّ الذي وصل آخرَ الأمرِ إلى عهد الطباعة مُثْقَلاً بمختلف ألوان التبديل ، ظهرت في عدد كبير من القراءات }.(37)
مراجع البحـث:
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام محمد ابن جرير الطبري ج14 ص543، ط دار هجر – الجيزة، ت: د/عبد الله التركي.
(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان، دار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر.
(3) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج8 ص289، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط.
(4) جامع التحصيل في أحكام المراسيل للإمام صلاح الدين العلائي ص96، ط عالم الكتب – بيروت، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.
(5) صيانة صحيح مسلم للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص227، ط دار الغرب الإسلامي – بيروت، ت: موفق عبد الله عبد القادر.
(6) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام شمس الدين الذهبي ج4 ص210، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(7) إتحاف الخيرة المهرة للإمام شهاب الدين البُوصَيْرِيَّج6 ص229، ط دار الوطن – الرياض، ت: ياسر بن إبراهيم (أبو تميم).
(8) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام شمس الدين الذهبي ج5 ص412، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(9) سنن الإمام سعيد بن منصور ج6 ص88، ط دار الصميعي – الرياض، ت: د/ سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حُمَيـِّد.
(10) تهذيب الكمال للإمام أبي الحجاج المِزّي ج15 ص256، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: د/ بشَّار عَوَّاد معروف.
(11) الضعفاء الصغير للإمام محمد بن إسماعيل البُخاريص76، ط دار المعرفة – بيروت ، ت: محمود إبراهيم زايد.
(12) الضعفاء والمتروكين للإمام أبي الفرج بن الجوزي ج2 ص148، ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: عبد الله القاضي.
(13) المغني في الضعفاء للإمام شمس الدين الذهبي ج2 ص8، ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: حازم القاضي (أبو زهراء).
(14) الضعفاء للإمام أبي جعفر العقيلي ج3 ص791، ط دار الصميعي – الرياض، ت: حمدي بن عبد المجيد السلفي.
(15) المعجم الكبير للإمام سليمان بن أحمد الطبراني ج9 ص149، ط مكتبة ابن تيمية – القاهرة، ت: حمدي بن عبد المجيد السلفي.
(16) المغني في الضعفاء للإمام شمس الدين الذهبي ج2 ص522، ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: حازم القاضي (أبو زهراء)..
(17) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج1 ص462، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط.
(18) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج6 ص227، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط.
(19) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام محمد ابن جرير الطبري ج14 ص542، ط دار هجر – الجيزة، ت: د/عبد الله التركي.
(20) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج5 ص270، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط..
(21) النشر في القراءات العشر للإمام محمد ابن الجزري ج1 ص9 ط دار الكتب العلمية – بيروت ، ت: الشيخ علي محمد الضَّبَّاع .
(22) صحيح البخاري للإمام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري ص1282 ح5019 ، ط دار ابن كثير – بيروت.
(23) فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العسقلاني ج10 ص256، ط طيبة – الرياض، ت: نظر محمد الفاريابي.
(24) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام محمد ابن جرير الطبري ج14 ص542، ط دار هجر – الجيزة، ت: د/عبد الله التركي.
(25) المجروحين من المحدثين للإمام أبي حاتم بن حِبان ج2 ص479، ط دار الصميعي الرياض، ت: حمدي بن عبد المجيد السلفي.
(26) لسان العرب للإمام محمد بن منظور ج5 ، ص3665، ط دار المعارف – القاهرة.
(27) تفسير البحر المحيط للإمام أبي حيان الأندلسي ج6 ص23، ط دار الكتب العلمية – بيروت، ت: مجموعة من المحققين.
(28) زاد المسير في علم التفسير للإمام أبي الفرج بن الجوزي ج5 ص22، ط المكتب الإسلامي – بيروت.
(29) كتاب النصارى – ترجمة الفانديك – إنجيل يوحنا – الفصل 9 الأعداد من 35 إلى 38 ، ط دار الكتاب المقدس – القاهرة.
(30) كتاب النصارى – الترجمة اليسوعية – إنجيل يوحنا – فصل 9 عدد 35، ص320 ، ط دار المشرق – بيروت ، لبنان.
(31) كتاب النصارى – الترجمة العربية المشتركة – إنجيل يوحنا – فصل 9 عدد 35، ص159 ، ط دار الكتاب المقدس – القاهرة.
(32) كتاب النصارى – الترجمة البُولسية – إنجيل يوحنا – فصل 9 عدد 35، ص444 ، ط منشورات المكتبة البُولسية – بيروت.
(33) كتاب النصارى – الترجمة العربية المبسطة – إنجيل يوحنا – فصل 9 عدد 35، ص1125 ، ط دار الكتاب المقدس – القاهرة.
(34) العهد الجديد يوناني عربي بين السطور ص491، للأب بولس الفغالي، أنطوان عوكر، وغيرهما ط مؤسسة دَكَّاش – بيروت.
(35) تفسير إنجيل يوحنا دراسة وشرح للأب متى المسكين ج1 ص601، ط دير أنبا مقار.
(36) دائرة المعارف الكتابية ج3 ص295، ط دار الثقافة – القاهرة، تأليف نخبة من علمـاء اللَّاهوت.
(37) الترجمة الرهبانية اليسوعية ص12 ، ص13، مقدمة العهد الجديد، ط دار المشرق – بيروت.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
فرية السيدة عائشة تزيِّن جارية لتصيد شباب قريش !
قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
نسف أكاذيب النصارى والرافضة حول الصحابة الكرام
فرية السيدة عائشة تزين جارية لتصطاد شباب قريش !
لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى والرافضة حول أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
قال الروافض المجوس أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تشيع الفاحشة بين الناس.!!
وتلقف النصارى الضالون من الرافضة هذا الافتراء الذي لا يخرج إلا من إنسان سقيمٍ عقيمٍ
واستدلوا بما رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ قال:
{ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَمَّـارِ بْنِ عِمْرَانَ، رَجُلٍ مِنْ زَيْدِ اللَّهِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا شَوَّفَتْ جَارِيَةً وَطَافَتْ بِهَا وَقَالَتْ: «لَعَلَّنَا نُصِيبُ بِهَا بَعْضَ شَبَابِ قُرَيْشٍ»}.(1)
وللرد على هذا الافتراء أقول:
أولاً: الرواية غير صحيحة:
فالسندُ فيه امرأةٌ مجهولةٌ ورجلٌ مجهول.
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً فقط ، ويجب أن تنطبق عليه شروط خمس وهي:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- انتفاء الشذوذ.
5- انتفاء العلة.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:
{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلّلاً }.(2)
علل الرواية:
العِلَّة الأولى: عَمَّـار بْنُ عِمْرَانَ لا يَصِحُّ حَدِيثُه.
فهذا الرجل مجهول العين والحال.
قال الإمام ابن أبي حاتم: عمار بن عمران الزيدي.
{ من زيد الله، روى عن سعيد بن جبير، روى عنه العلاء بن عبد الكريم }.(3)
وكل ما نعرفه عنه أنه من قبيلة تُسَمَّى (زيد الله) فقط، ولكننا لا نعرف درجته من الثقة والضبط والإتقان.
العلة الثانية: المرأة التي تَرْوِي عن السيدة عائشة مجهولة العين والحال.
فَعَمَّـار بن عمْرَان هذا يقول (عن امرأة منهم) ونحن لا نعرف هذه المرأة وكذلك لا نعرف حالها من الثقة والضبط والإتقان.
ورواية الـمجهول عندنا مردودة غيرُ مقبولة.
قال الإمام أبو عمرو ابنُ الصلاح:
{الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَـاهِيرِ}.(4)
قال الإمام ابْنُ كَثِيرٍ:
{فَأَمّا الْـمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ من سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا ممن لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ}.(5)
وعليه فالرواية سَاقِطَةُ الإِسْنَاد لا يـُحْتَجُّ بِهَا.لأنها فقدت الشرط الثاني من شروط صحة الرواية.
ثانياً: في حالة صحة الرواية فلها مَـحْمَلٌ حَسَنٌ تُحْمَلُ عليه:
أقول أن هذه الرواية على فرض صحتها فلها مَحْمَلٌ حَسَنٌ تُحْمَلُ عليه وليس فيها هذا المعنى الذي قصده الرافضي أو النصراني، فلقد ذكرها ابن أبي شيبة في مصنفه تحت “باب تزيين السلعة” ومعلوم أنَّ الجارية (الْأَمَة) يجوز بيعُها.
وحُكْم بيع الإماء والعبيد موجود في كتاب النصارى وفي كتب الشيعة.
بل في كتاب النصارى أنَّ الرجل يستطيع أن يبيع ابنته نفسها (كَأَمَةٍ) أي كَجَارِيَةٍ.!
{ وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ أَمَةً لاَ تَخْرُجُ كَمـَا يَخْرُجُ الْعَبِيدُ. إِنْ قَبُحَتْ فِي عَيْنَيْ سَيِّدِهَا الَّذِي خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ يَدَعُهَا تُفَكُّ. وَلَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يَبِيعَهَا لِقَوْمٍ أَجَانِبَ لِغَدْرِهِ بِهَا }.(6)
فلا ينظر النصراني لكتابه الذي يبيح للرجل أن يبيع ابنته, ويأتينا متعجباً من بيع النساء المسبية في الحروب !!
قليل من العقل يا هؤلاء. ورأيتُ تعليقاً أعجبني للأخ “كاوا محمد” من ملتقى أهل الحديث يقول فيه:
( الرواية تتكلم عن شباب قريش، ومعروف أن شباب قريش بمكة، والسيدة عائشة كانت تعيش بالمدينة، وبالتالي واضع هذه الرواية لم ينتبه لذلك )
فجزاه الله خيرا ،،
ثالثاً: فَهْمُ النصراني والرافضي للرواية يخالف الصحيح:
أقول أن فهم النصارى والرافضة لهذه الرواية يخالف تمامًا ـما اتفقت علىه الأمة الإسلامية.
فَأُمُّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها هي التي قالتْ ما رواه البخاري في صحيحه عنها.
روى الإمامُ البُخَارِيُّ:
{ عن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ }.(7)
فبعد أن وصفت أم المؤمنين رضي الله عنها نكاح الجاهلية, قالت: { فَلَمَّـا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ }.
فهي ترى وتعرف وتؤمن أنَّ ما فهمه الرافضة والنصارى من الرواية هو الزنا الصريح الذي حَرَّمَهُ اللهُ ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فهل بعد هذا الدليل الواضح المبين يستطيع أحدهم أن يغمز ويلمز أم المؤمنين رضي الله عنها ؟
سؤال للشيعة الرافضة الذين يرمون السيدة عائشة بالفاحشة:
الله عز وجل يقول:
(الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (سورة النور 3)
وهذا يعني أن المرأة الزانية لا ينكحها إلا رجل زان أو مشرك.
فهل تتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا أو الشرك ؟
إن قلتم نعم, فقد كفرتم.
إن قلتم لا وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه التهم, فيلزمكم أن تقولوا ببراءة السيدة عائشة مما برأتم منه الرسول صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: من فمك أُدينك:
ألمْ يَنظرْ هذا النصراني إلى ما في كتبه ؟ ألمْ يَرَ حجمَ التحريفات والتخريفات التي في كتابه ؟
وهل مَنْ كان بيتُه من زجاج يقذف الناس بالحجارة ؟
تعالوا نفتح كتاب النصارى ونرى كيف يُعَلِّمُ النساءَ ممارسة الْبِغَاءِ صراحةً وكيفية اصطياد الرجال وإيقاعهن في الزنا !!
فلقد ذكر كتابُهم قصةً غريبةً مريبةً عَنْ فَنِّ إيقاع النساء للرجال في الزنا:
جاء في كتاب النصارى:
{ 11فَقَالَ يَهُوذَا لِثَامَارَ كَنَّتِهِ: «اقْعُدِي أَرْمَلَةً فِي بَيْتِ أَبِيكِ حَتَّى يَكْبُرَ شِيلَةُ ابْنِي». لأَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّهُ يَمُوتُ هُوَ أَيْضاً كَأَخَوَيْهِ». فَمَضَتْ ثَامَارُ وَقَعَدَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا. 12 وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ مَاتَتِ ابْنَةُ شُوعٍ امْرَأَةُ يَهُوذَا. ثُمَّ تَعَزَّى يَهُوذَا فَصَعِدَ إِلَى جُزَّازِ غَنَمِهِ إِلَى تِمْنَةَ هُوَ وَحِيرَةُ صَاحِبُهُ الْعَدُلَّامِيُّ. 13فَأُخْبِرَتْ ثَامَارُ: «هُوَذَا حَمُوكِ صَاعِدٌ إِلَى تِمْنَةَ لِيَجُزَّ غَنَمَهُ». 14فَخَلَعَتْ عَنْهَا ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا وَتَغَطَّتْ بِبُرْقُعٍ وَتَلَفَّفَتْ وَجَلَسَتْ فِي مَدْخَلِ عَيْنَايِمَ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ تِمْنَةَ لأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ شِيلَةَ قَدْ كَبِرَ وَهِيَ لَمْ تُعْطَ لَهُ زَوْجَةً. 15 فَنَظَرَهَا يَهُوذَا وَحَسِبَهَا زَانِيَةً لأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهَا. 16فَمَالَ إِلَيْهَا عَلَى الطَّرِيقِ وَقَالَ: «هَاتِي أَدْخُلْ عَلَيْكِ». لأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَنَّتُهُ. فَقَالَتْ: «مَاذَا تُعْطِينِي لِكَيْ تَدْخُلَ عَلَيَّ؟» 17فَقَالَ: «إِنِّي أُرْسِلُ جَدْيَ مِعْزَى مِنَ الْغَنَمِ». فَقَالَتْ: «هَلْ تُعْطِينِي رَهْناً حَتَّى تُرْسِلَهُ؟» 18فَقَالَ: «مَا الرَّهْنُ الَّذِي أُعْطِيكِ؟» فَقَالَتْ: «خَاتِمُكَ وَعِصَابَتُكَ وَعَصَاكَ الَّتِي فِي يَدِكَ». فَأَعْطَاهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا. فَحَبِلَتْ مِنْهُ.19ثُمَّ قَامَتْ وَمَضَتْ وَخَلَعَتْ عَنْهَا بُرْقُعَهَا وَلَبِسَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا. 20 فَأَرْسَلَ يَهُوذَا جَدْيَ الْمِعْزَى بِيَدِ صَاحِبِهِ الْعَدُلَّامِيِّ لِيَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَجِدْهَا. 21فَسَأَلَ أَهْلَ مَكَانِهَا: «أَيْنَ الزَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي عَيْنَايِمَ عَلَى الطَّرِيقِ؟» فَقَالُوا: «لَمْ تَكُنْ هَهُنَا زَانِيَةٌ». 22افَرَجَعَ إِلَى يَهُوذَا وَقَالَ: «لَمْ أَجِدْهَا. وَأَهْلُ الْمَكَانِ أَيْضاً قَالُوا: لَمْ تَكُنْ هَهُنَا زَانِيَةٌ». 23فَقَالَ يَهُوذَا: «لِتَأْخُذْ لِنَفْسِهَا لِئَلَّا نَصِيرَ إِهَانَةً. إِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ هَذَا الْجَدْيَ وَأَنْتَ لَمْ تَجِدْهَا». 24 وَلَمَّا كَانَ نَحْوُ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ أُخْبِرَ يَهُوذَا وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ زَنَتْ ثَامَارُ كَنَّتُكَ. وَهَا هِيَ حُبْلَى أَيْضاً مِنَ الزِّنَا». فَقَالَ يَهُوذَا: «أَخْرِجُوهَا فَتُحْرَقَ». 25أَمَّا هِيَ فَلَمَّا أُخْرِجَتْ أَرْسَلَتْ إِلَى حَمِيهَا قَائِلَةً: «مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي هَذِهِ لَهُ أَنَا حُبْلَى!» وَقَالَتْ: «حَقِّقْ لِمَنِ الْخَاتِمُ وَالْعِصَابَةُ وَالْعَصَا هَذِهِ». 26فَتَحَقَّقَهَا يَهُوذَا وَقَالَ: «هِيَ أَبَرُّ مِنِّي لأَنِّي لَمْ أُعْطِهَا لِشِيلَةَ ابْنِي» }.(8)
لستُ أريد أنْ أُعَلِّقُ على نصوص هذه القصة الغريبة الآن, فإنَّ لنا بإذن الله قريباً سلسلةً عن الدروس المستفادة من قصص زنا المحارم في كتاب النصارى.
وأما عن كُتُبِ الشِّيعة فَحَدِّثْ ولا حَرَج !!
قال المجلسي في بحار الأنوار:
{ عن فُضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن الحسن العطار قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج فقال: لا بأس به، قلت: فإنْ كان منه الولد ؟ قال: لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه }.(9)
مراجع البحـث:
(1) المُصَنَّف للإمام أبي بكر بن أبي شيبة ج11 ص429، ط دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن، ت: محمد عوامة.
(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ، دار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر.
(3) الجرح والتعديل للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم ج46 ص392، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(4) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر.
(5) الباعث الحثيث اختصار علوم شرح الحديث للإمام ابن كثير ص92، تأليف أحمد شاكر ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(6) كتاب النصارى – العهد القديم – سفر الخروج فصل 21 عدد 7، ط دار الكتاب المقدس.
(7) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص1307 ح5127، ط دار بن كثير – بيروت.
(8) كتاب النصارى – العهد القديم – سفر التكوين فصل 38 أعداد من 11 : 26، ط دار الكتاب المقدس.
(9) بحار الأنوار للشيعي محمد باقر المجلسي ج103 ص326، ط دار إحياء التراث العربي – بيروت.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
شبهة قول النبي "أما ابن عمي فهتك عِرضي"
قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث
نسف أكاذيب النصارى حول الرسول الكريم
شبهة قول النبي “أما ابن عمي فهتك عرضي“
لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى حول أخلاق رسولنا الكريم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
ادَّعى النصارى أنَّ أبا سفيانَ بن حِرب كان قد فَعَلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا.! وإني لأستحي مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ أكتبَ عنه ما قاله هؤلاء الأنجاس الأرجاس عليهم لعائن الله تتراً متتابعة إلى يوم القيامة !!
واستدلوا بما رواه الإمام الحاكم قال:
{ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَـا قَالَ: مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَسَبَّعَتْ سُلَيْمٌ وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ وَأَوْعَبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَلَا يَأْتِيَهُمْ خَبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ صَانِعٌ ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّـةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَنِيَّةَ الْعِقَابِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْنُ عَمِّكَ ، وَابْنُ عَمَّتِكَ ، وَصِهْرُكِ ، فَقَالَ: ” لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَـا ، أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي ، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي ، قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ ” فَلَمَّـا خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمـَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَأَذْنَنَّ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا ، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَـا فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ فِي إِسْلَامِهِ، وَاعْتِذَارِهِ مِمَّا كَانَ مَضَى فِيهِ ، فَقَالَ:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً … لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَا لِمُدْلِجِ الْحَيْرَانُ أَظْلَمَ لَيْلَةً … فَهَذَا أَوَانُ الْحَقِّ أَهْدِي وَأَهْتَدِي
فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَكُمْ … وَقُلْ لِثَقِيفٍ تِلْكَ عِنْدِي فَاوْعَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرَ نَفْسِي وَدَلَّنِي … إِلَى اللَّهِ مَنْ طَرَدْتُ كُلَّ مَطْرَدِ
أَفِرُّ سَرِيعًا جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ … وَأَدَّعِي وَلَوْ لَمْ أَنْتَسِبْ لِمُحَمَّدِ
هُمْ عُصْبَةُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَواهُمْ … وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلِمْ وَيُفَنَّدِ
أُرِيدُ لِأَرِضِيَهُمْ وَلَسْتُ بِلَافِظٍ … مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ
فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا … وَلَا كَلَّ عَنْ خَيْرٍ لِسَانِي وَلَا يَدِي
قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ … تَوَابِعُ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ
وَإِنَّ الَّذِي أَخَرَجْتُمْ وَشَتَمْتُمْ سَيَسْعَى … لَكُمْ سَعْيَ امْرِئٍ غَيْرِ قَعْدَدِ
قَالَ: فَلَمَّا أَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَى اللَّهِ مَنْ طُرِدْتُ كُلَّ مَطْرَدِ ، ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ ، فَقَالَ: ” أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مَطْرَدِ ” ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ” مَاتَتْ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْوَاءِ ، وَهِيَ تَزُورُ خَوَالَهَا مِنْ بَنِي النَّجَّارِ }.(1)
وللرد على هذه الفرية أقول:
أولاً: الرواية صحيحة:
فليس لأحدٍ أن يطعنَ فيها بسبب أنه يجهل معناها الصحيح أو لأنَّ النصارى يريدون الطعن بها في سيدنا وحبيب قلوبنا صلى الله عليه وسلم, فالرواية صحيحة لا مَطْعَنَ فيها.
قال الشيخ الألباني:
{ فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد}.(2)
ثانياً: المعنى الصحيح للرواية مِن كتب اللغة:
من المعلوم لكل ذي عقل أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان عربياً، وكان ينطق بالعربية، فإذا ما أراد شخصٌ ما أن يفهم كلامه عليه الصلاة والسلام، فعليه أن يرجع للغة العرب حتى يَفهمَ كلامَ النبي صلى الله عليه وسلم فَهماً صحيحاً، ولا يُخَرِّف هذا التخريف الذي قاله المفتري.
محل استدلال النصارى من الرواية هو قوله { أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي }.
فما هو معنى “هَتْك العِرْض” في لغة العرب؟
قال الإمام ابن منظور:
{ وعِرْضُ الرجلِ حَسبَهُ وقيل نفْسه وقيل خَلِيقَته المحمودة وقيل ما يُمْدح به ويُذَمُّ، وفي الحديث إِن أَعْراضَكم عليكم حَرامٌ كحُرْمةِ يومكم هذا، قال ابن الأَثير: هو جمع العِرْض المذكور على اختلاف القول فيه، قال حسان: فإِنَّ أَبي ووالِدَه وعِرْضِي لِعِرْض مُحَمَّدٍ مِنْكُم وِقَاءُ، قال ابن الأَثير: هذا خاصّ للنفس يقال أَكْرَمْت عنه عِرْضِي أَي صُنْتُ عنه نَفْسي وفلان نَقِيُّ العِرْض أَي بَرِيءٌ من أَن يُشْتَم أَو يُعابَ، والجمع أَعْراضٌ وعَرَضَ عِرْضَه يَعْرِضُه واعتَرَضَه إِذا وقع فيه وانتَقَصَه وشَتَمه أَو قاتَله أَو ساواه في الحسَب، أَنشد ابن الأَعرابي وقَوْماً آخَرِينَ تَعَرَّضُوا لي ولا أَجْني من الناسِ اعتِراضا أَي لا أَجْتَني شَتْماً منهم، ويقال لا تُعْرِضْ عِرْضَ فلان أَي لا تَذْكُرْه بسوء }.(3)
وحتى لا يَدَّعِيَ أحدٌ أنه لا يعرف كيف يبحث في كتاب مثل لسان العرب لابن منظور، ولا من أين يحصل عليه، فنستطيع أن نُسَهِّلَ عليه الأمرَ جداً بأن نذكرَ له كتاباً سيجده فِي بيته وَفِي كُلِّ بيتٍ تقريباً وهو كتاب المعجم الوجيز.
قال محررو المعجم الوجيز:
{ العِرْضُ: ما يُمْدَح وَيُذَمُّ مِنَ الْإِنْسَانِ، سَوَاءً كَانَ فِي نَفْسِهِ، أَوْ سَلَفِهِ، أَوْ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُه }.(4)
وهذه صورة للقارئ الكريم من كتاب المعجم الوجيز:
كذلك جاء في لسان العرب معنى كلمة انتهاك العِرض.
قال الإمام ابنُ مَنْظُور:
{ والنَّهْك: المبالغة في كل شيء، والنَّاهِك والنَّهِيكُ: المبالغ في جميع الأَشياء. الأَصمعي: النَّهْك: أَن تبالغ في العمل فإِن شَتَمْتَ وبالغتَ في شَتْم العِرْض قيل: انْتَهَكَ عِرْضَه }.(5)
قال الإمامُ الزَّبِيدِيُّ:
{ ومن المَجازِ : نَهَكَ عِرضَه : بالَغَ في شَتْمِه }.(6)
{ وانْتَهَكَ عِرضَه : بالَغَ في شَتْمِه عن الأَصْمَعِي }.(7)
إذاً فقوله صلى الله عليه وسلم (أما ابن عمي فَهَتَكَ عِرْضِي) تعني خاض في عِرضِي وتكلم فيَّ.
والمعنى الحاصل مِن هذه الرواية أنَّ أبا سُفيانَ رضي الله عنه قبل إسلامه قام بهجاء الرسول صلى الله عليه وسلم, وأطلق لسانه فيه.
وليس فيها أبداً هذا المعنى القبيح الذي فهمه جُهَّالُ النصارى الذين لا يعرفون شيئاً في اللغة العربية، وهذا المعنى لا يفهمه إلا من مُسِخَ عَقْلُه, وانقلب فِكْرُه, وَسَلَّمَ إلى غيره مفاتيح رأسه.
ثالثاً: فَهْمُ عُلماءِ الإسلام للرواية:
قال الإمام الحاكم بعد ذكره للرواية:
{ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمَا حَلِيمَةُ،
وَابْنُ عَمِّهِ ، ثُمَّ عَامَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُعَامَلَاتٍ قَبِيحَةٍ، وَهَجَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى أَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي ، يَقُولُ فِيهَا:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ}.(8)
وعليه فقد فَسَّرَ الإمامُ الحاكمُ الروايةَ بعد أنْ ذَكَرَهَا بأنها تعني أن أبا سفيان قبل إسلامه هجا النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم في عِرضه.
قال الإمام ابن سعد:
{ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ شَاعِرًا، فَكَانَ يَهْجُو أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَكَانَ مُبَاعِدًا لِلْإِسْلَامِ شَدِيدًا عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَكَانَ أَخَا رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلم مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُ حَلِيمَةُ أَيَّامًا، وَكَانَ يَأْلَفُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَكَانَ لَهُ تِرْبًا، فَلَمَّـا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَادَاهُ وَهَجَاهُ وَهَجَا أَصْحَابَهُ، فَمَكَثَ عِشْرِينَ سَنَةً عَدُوًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلم، وَلَا تَخَلَّفَ عَنْ مَوْضِعٍ تَسِيرُ فِيهِ قُرَيْشٌ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم}.(9)
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر:
{ وَكَانَ أَبُو سُفْيَان بْن الحارث بْن عبد المطلب من الشعراء المطبوعين، وَكَانَ سبق له هجاء فِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإياه عَارَضَ حسانُ بنُ ثابت بقوله:
أَلَا أَبْـلِـغْ أَبَا سُفْيَانَ عَـنِّي … مُـغَلْغَلةً فَقَدْ بَرَحَ الخفاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّداً فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللهِ في ذَاكَ الْـجَزاءُ
وقد ذكرنا الأبياتَ فِي باب حسان. والشعر محفوظ. ثم أسلم فحسن إسلامه فيقال: إنه مَا رفع رأسه إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حياءً منه}.(10)
قال الإمام ابن الأثير:
{وَرُوِيَ أنَّ الذين كانوا يهجون رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مشركي قريش: أَبُو سفيان بْن الحارث بْن عبد المطلب، وعبد اللَّه بْن الزبعري، وعمرو بْن العاص، وضرار بْن الخطاب}.(11)
قال الإمام ابن حجر العسقلاني:
{ وكان أبو سفيان مِـمَّنْ يُؤْذِي النَّبِيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وَيَهْجُوهُ ويؤذي المسلمين، وإلى ذلك أشار حسان بن ثابت في قصيدته المشهورة:
هَجَوْتَ مُـحَمَّداً فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وعند اللَّه في ذاك الجزاءُ }.(12)
قال الإمام ابن تيمية:
{ ومن ذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب : قصته في هجائه النبي صلى الله عليه و سلم و في إعراض النبي صلى الله عليه و سلم عنه لما جاءه مسلما مشهورة مستفيضة … أهدر – النبيُّ صلى الله عليه وسلم – دَمَ أبي سفيان بن الحارث دون غيره من صناديد المشركين الذين كانوا أشد تأثيرا في الجهاد باليد و المال وهو قادم إلى مكة لا يريد أن يسفك دماء أهلها بل يستعطفهم على الإسلام، ولم يكن لذلك سبب يختص بأبي سفيان إلا الهجاء، ثم جاء مسلماً، وهو يعرض عنه هذا الإعراض، وكان من شأنه أن يتألف الأباعد على الإسلام فكيف بعشيرته الأقربين؟ كلُّ ذلك بسبب هَتْكِهِ عِرْضَهُ كما هو مُفَسَّرٌ في الحديث }.(13)
رابعاً: الأنبياء معصومون من هذه النقائص:
اتفقت الأمة الإسلامية على عصمة أنبياء الله ورسله من الوقوع في مثل هذه القاذورات والتي لا توجد إلا في كتاب النصارى، فالإسلام العظيم ينزه أنبياء الله جميعاً عن مثل هذه النقائص.
قال الإمام ابن تيمية:
{ إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر : هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف … وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول }.(14)
فبهذا يقرر علماءُ الأمةِ القولَ بعصمةِ الأنبياءِ مِن الكبائرِ والفواحش.
ولا شَكَّ ولا رَيْبَ أنَّ هذا الفعلَ الذي يتخيله النصارى يُعَدُّ من النقائص التي تُلْحِقُ بالإنسان العارَ والشنارَ, فلذلك نزَّه اللهُ أنبياءَه ورسلَه من الوقوع في مثلها.
خامساً: هذا الفعل لم يكن إطلاقاً عند العرب:
أقولُ أنَّ هذا الفعل المشين القبيح لم يكنْ معروفاً عند العرب, وإنما كان فاشياً في غيرهم من الأمم مثل الروم النصارى.
قال الإمام ابن كثير:
{ وَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا فَقَدْ كَانَ صَيِّنًا فِي نَفْسِهِ، حَازِمًا فِي رَأْيِهِ، يُقَالُ: إِنَّهُ لَا تُعْرَفُ لَهُ صَبْوَةٌ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِهِ مَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَصَّ عَلَيْنَا قِصَّةَ قَوْمِ لُوطٍ فِي كِتَابِهِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ ذَكَرًا يَأْتِي ذَكَرًا كَمَا تُؤْتَى النِّسَاءُ }.(15)
فهذا دليل قاطع على عدم وجود هذا الفعل القبيح في العرب قبل وبعد النبوة, فالوليد بن عبد الملك يقول أنه لولا أنَّ الله عز وجل قَصَّ علينا قصة قوم لوط في القرآن الكريم، أنه ما يتخيل إطلاقاً أن ذَكَراً يأتي ذَكَراً كما تؤتى النساء, فهو لم يسمع عن هذا الفعل في قومه مطلقاً.!
سادساً: فَهْمُ النصارى للرواية لا يستقيم عقلاً:
أقول أنَّ فَهْمَ النصارى السقيم العقيم للرواية لا يستقيم والعقل البشري السليم الصحيح.
لأن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال الكلمة هكذا ولم يخجل منها، ومعلومٌ أنَّ أي إنسانٍ فُعِلَ به هذا
الفعل يخجل من الإفصاح عن ذلك أمام الناس، إذْ أنَّ الأمر مَنْقَصَةٌ وليس بمفخرة ليقولها الإنسان على الملأ هكذا أمام الناس.
سابعاً: تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الفعل:
إذَا علمتَ أيها القارئ الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن فِعْلِ قوم لُوطٍ وَجَعَلَ له عقوبةً قاسيةً.
روى الإمام أبو داود في سننه قال:
{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ }.(16)
هذا ما جاء بكتبنا في معنى هذه الرواية, فماذا قال النصارى في كتبهم بخصوص هذا الأمر ؟
ففي كتاب النصارى أفعالٌ يشيب لـها الولدان ومع ذلك ينسبها النصارى إلى الأنبياء والمرسلين.!!
يقول كاتب سفر صموئيل الثاني:
{قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ, كُنْتَ حُلْواً لِي جِدّاً مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ}.(17)
وحتى لا يتهمني أحد بسوء النية فلننظر ما قالت ترجمة الحياة:
{ وَمَحَبَّتُكَ لِي كَانَتْ مَحَبَّةً عَجِيبَةً، أَرْوَعَ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ }.(18)
يقول القمص تادرس يعقوب ملطي:
{ محبة النساء لرجالهن عجيبة، إذ يتركن بيوت آبائهن وأهلهن ويلتصقن برجالهن، إنْ مَرِضُوا يخدمنهن…أما حُبُّ يوناثان فكان أعذب وأحلى… كَانَ بِحَقِ حُلْوًا في حُبِّه! أيُّ شيءٍ أعذب من الحب الأخوي الخالص الذي لا يطلب ما لنفسه بل ما لصديقه! }.(19)
فترك النصارى نصوصَ كتابهم الجنسية التي تَنُصُّ صراحةً على الزنا والدعارة والفجور والتي يُلْصِقُهَا كتابهم المحرَّفُ بأنبياء الله وراحوا يستدلون برواية ثم يحرِّفون معناها ليقدحوا في رسولنا الطاهر المطهر الذي فاضت طهارته على العالمين، وإنما حرَّف النصارى معنى الرواية لتتوافق مع ما تربَّى عليه النصارى في كتابهم من روايات وقصص عن الجنس والزنا والدعارة المقدسة.
مراجع البحـث:
(1) المستدرك على الصحيحين للإمام الحاكم النيسابوريج3 ص48 ط دار الحرمين – القاهرة، ت: مقبل بن هادي الوادعي.
(2) سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ج7 ص1030 ط مكتبة المعارف – الرياض.
(3) لسان العرب للإمام أبي الفضل جمال الدين ابن منظور ج4 ص2887 ، ط دار المعارف – القاهرة .
(4) المعجم الوجيز من إصدار مجمع اللغة العربية ص414 ط وزارة التربية والتعليم – مصر.
(5) لسان العرب للإمام أبي الفضل جمال الدين ابن منظور ج6 ص4561 ، ط دار المعارف – القاهرة.
(6) تاج العروس من جواهر القاموس للإمام الزَّبيدي ج27 ص378 ط وزارة الإرشاد والأنباء – الكويت، ت: عبد الستار أحمد فرَّاج.
(7) تاج العروس من جواهر القاموس للإمام الزَّبيدي ج27 ص381 ط وزارة الإرشاد والأنباء – الكويت، ت: عبد الستار أحمد فرَّاج.
(8) المستدرك على الصحيحين للإمام الحاكم النيسابوريج3 ص50 ط دار الحرمين – القاهرة، ت: مقبل بن هادي الوادعي.
(9) الطبقات الكبرى للإمام محمد ابن سعد الزُّهْرِيّ ج4 ص46 ط مكتبة الخانجي- القاهرة، ت: د/علي محمد عمر.
(10) الاستيعاب في معرفة الأصحاب للإمام أبي عمر بن عبد البر ج4 ص1674 ط دار الجيل – بيروت، ت: علي محمد البجاوي.
(11) أسد الغابة في معرفة الصحابة للإمام أبي الحسن ابن الأثير ج2 ص6 ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(12) الإصابة في تمييز الصحابة للإمام ابن حجر العسقلاني ج12 ص304 ط مركز هجر- الجيزة، ت: د/عبد الله بن عبد المحسن التركي.
(13) الصارم المسلول على شاتم الرسول للإمام ابن تيمية ج2 ص268 ط رمادي – الدَّمَّام، ت: محمد عمر الحلواني، محمد كبير شودري.
(14) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج4 ص319 ط خادم الحرمين الشريفين – السعودية، ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم.
(15) البداية والنهاية للإمام عماد الدين ابن كثير ج12 ص403 ط دار هجر- الجيزة، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.
(16) سنن أبي داود للإمام أبي داود السجستاني ص802 ح4462 ط دار المعارف – بيروت، ت: مشهور بن حسن آل سلمان.
(17) كتاب النصارى – ترجمة الفانديك – العهد القديم – سفر صموئيل الثاني فصل 1 فقرة 26 ص362 ط دار الكتاب المقدس – القاهرة.
(18) كتاب النصارى – ترجمة الحياة – العهد القديم – سفر صموئيل الثاني فصل 1 فقرة 26 ص398 ط جي سي سنتر- القاهرة.
(19) تفسير سفر صموئيل الثاني للقمص تادرس يعقوب ملطي ص14 ط مركز الدلتا – الاسكندرية.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
فرية قتل عصماء بنت مروان
قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث
نسف أكاذيب النصارى حول أخلاق الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم
فرية قتل عصماء بنت مروان
لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى حول رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا كيف تُسَمُّونَ نبيَكم رسولَ الرحمة وكتبُ السُّنَّةِ عندَكم تقول أنه قتل عصماء بنت مروان ؟!!
واستدلوا بما رواه الواقدي في المغازي قال:
{ حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ، كَانَتْ تَحْتَ يَزِيدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الْخَطْمِيّ ، وَكَانَتْ تُؤْذِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَعِيبُ الْإِسْلَامَ ، وَتُحَرّضُ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَتْ شِعْرًا:..قَالَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أميّـــة الخطمىّ حين بلغه قولها وَتَحْرِيضُهَا: اللهُمّ ، إنّ لَك عَلَيّ نَذْرًا لَئِنْ رَدَدْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ لَأَقْتُلَنّهَا – وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِبَدْرٍ – فَلَمَّـا رَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم من بدر جَاءَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ فِي جَوْفِ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا ، وَحَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وَلَدِهَا نِيَامٌ ، مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِي صَدْرِهَا ، فَجَسّهَا بِيَدِهِ ، فَوَجَدَ الصّبِيّ تُرْضِعُهُ فَنَحّاهُ عَنْهَا ، ثُمّ وَضَعَ سَيْفَهُ عَلَى صَدْرِهَا حَتّى أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى صَلّى الصّبْحَ مَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ. فَلَمّا انْصَرَفَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إلَى عُمَيْرٍ فَقَالَ: أَقَتَلْت بِنْتَ مَرْوَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله. وخشي عمير أن يكون فتات عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ ، فَإِنّ أَوّلَ مَا سَمِعْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }.(1)
وللرد على هذا الافتراء أقول:
أولا: الرواية غير صحيحة:
ففي سندها راوٍ متروكُ الحديثِ واتهمه العلماء بالكذبِ.
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحا حتى تنطبق عليه شروط خمس وهي:
- اتصال السند.
- عدالة الرواة.
- ضبط الرواة.
- انتفاء الشذوذ.
- انتفاء العلة.
قال أبو عمرو بن الصلاح :{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الّذِي يَتّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلّلاً}. (2)
علل الرواية:
العلة الأولى: محمد بن عمر الواقدي مؤلف الكتاب متهم بالكذب.
قال الإمام الذهبي:
محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي .
· قال أحمد بن حنبل: هو كذاب يقلب الأحاديث يلقى حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحو ذا.
· وقال ابن معين: ليس بثقة .
· وقال مرة: لا يُكتب حديثُه .
· وقال البخاري وأبو حاتم: متروك .
· وقال أبو حاتم أيضا والنسائي: يضع الحديث.(3)
العلة الثانية: الحارث بن فضيل الخطمي حديثه مرسل.
الحارث بن فضيل الخطمي وهو أبو عبد الله ، حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركه ولم يره.
ويكفينا أنْ نجدَ في السندِ محمدَ بنَ عمرَ الواقديَ لنحكمَ على السند فوراً أنه موضوع.
ومن طريق الواقدي رواه القضاعي .
فقال القُضَاعِيّ في مُسنده:
858 – أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التُّسْتَرِيُّ ، وَذُو النُّونِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَسْكَرِيُّ ، نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، نا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، أنا الْوَاقِدِيُّ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ فَضْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: كَانَتْ عَصْمَاءُ بِنْتُ مَرْوَانَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَكَانَ زَوْجُهَا يَزِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الْخَطْمِيُّ ، وَكَانَتْ تُحَرِّضُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتُؤْذِيهِمْ ، وَتَقُولُ الشِّعْرَ ، فَجَعَلَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ نَذْرًا أَنَّهُ لَئِنْ رَدَّ اللَّهُ رَسُولَهُ سَالِمًا مِنْ بَدْرٍ لَيَقْتُلَنَّهَا ، قَالَ: فَعَدَا عَلَيْهَا عُمَيْرٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَتَلَهَا ، ثُمَّ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى مَعَهُ الصُّبْحَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَفَّحُهُمْ إِذَا قَامَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ ، فَقَالَ لِعُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ: «قَتَلْتَ عَصْمَاءَ؟» قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ فِي قَتْلِهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ» ، فَهِيَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (4)
وهذه الرواية أشد ضعفا وكذبا من سابقتها
وأضف إلى العلل السابقة في إسناد الواقدي هذه العلة:
العلة : الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التُّسْتَرِيُّ وَذُو النُّونِ بْنُ مُحَمَّدٍ مجهولان لا يُعرفان.
ورواية المجهول عندنا غير مقبولة.
قال أبو عمرو بن الصلاح: الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا ، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ .(5)
قال ابْنُ كَثِيرٍ:فَأَمّا الْمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ من سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا ممن لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ. (6)
فكل هذه العلل تمنعنا من قبول هذه الرواية ، ولذا فقد حكم العلماء عليها بالوضع والكذب
إسناد آخر للرواية:
قال القُضَاعِي في مُسنده:
أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّقِّيُّ السَّاكِنُ ، كَانَ بِبِلْبِيسَ إِجَازَةً ، نا أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيُّ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: هَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَقَالَ: «مَنْ لِي بِهَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهَا: أَنَا لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَانَتْ تَمَّارَةٌ تَبِيعُ التَّمْرَ ، قَالَ: فَأَتَاهَا ، فَقَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ تَـمْـرٌ ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ ، فَأَرَتْهُ تـَمْــرًا، فَقَالَ أَرَدْتُ أَجْوَدَ مِنْ هَذَا ، قَالَ: فَدَخَلَتِ التُّرْبَةَ ، قَالَ: فَدَخَلَ خَلْفَهَا ، فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَلَمْ يَرَ إِلَّا خِوَانًا ، قَالَ: فَعَلَا بِهِ رَأْسَهَا حَتَّى دَمَغَهَا بِهِ ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَفَيْتُكَهَا ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ » ، فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا. (7)
قلت هذا إسناد ساقط تالف فيه على الأقل أربع علل:
العلة الأولى: محمد بن الحجاج اللخمي الواسطي.
قال الذهبي في الميزان:
· قال البخاري: منكر الحديث.
· وقال ابن عدي: هو وَضَعَ حديثَ الهريسة.
· وقال الدارقطني: كذَّاب.
· وقال ابن معين: كذَّابٌ خبيثٌ. (8)
العلة الثانية: محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي.
وهذا الراوي متروك الحديث واتّهَمَهُ العلماءُ بالكذب.
قال ابن حجر العسقلاني:
محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي:منكر الحديث. (9)
ومعلوم أنَّ المحدثَ إذا وصف الراويَ بأنه منكرُ الحديثِ فهذا الوصف من أشد صِيَغِ التضعيف.
العلة الثالثة: مجالد بن سعيد .
وهذا الراوي ضعيف عند علماء الحديث .
قال الذهبي في ميزان الاعتدال:
· قال ابن معين: وغيره لا يحتج به.
· وقال أحمد: يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس ليس بشيء.
· وقال النسائي: ليس بالقوي وذكر الأشج أنه شيعي.
· وقال الدارقطني: ضعيف.
· وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه وكان ابن مهدي لا يروي عنه. (10)
العلة الرابعة: الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الرّقِّيّ.
وهو مجهول لا يُعرف حاله عند المحدثين
وقد سبق أن بيّنّا حكم رواية المجهول من قبل وأثبتنا أنها غيرُ مقبولة.
ثانيا: كتب أخرى تذكر الرواية:
وقد روى قريباً من هذه الروايات بعضُ أصحابِ الكتبِ المُسندة.
فقد رواها علي الحربي في الفوائد المنتقاة. (11)
ورواها بن عساكر في تاريخ مدينة دمشق. (12)
كما رواها الخطيب البغدادي في تاريخ مدينة السلام. (13)
ورواها ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة. (14)
ولكن كل هذه الروايات من طريقين فقط إما من طريق الواقدي وهو متهم بالكذب، وإما من طريق اللَّخْمِي وهو أيضا كذاب كما أوضحنا سابقا.
ثالثا: تضعيف المحققين للرواية:
قام عدد من الـمـُحَقِّقِـين بالتنبيه على ضعف الرواية بسبب العلل المذكورة أعلاه:
قال ابن طاهر الـمَقْدِسِيُّ: وهذا لم يروه عن مجالد غير محمد هذا، وهذا مما يُتَّهَمُ به محمد أنه وضعه. (15)
قال ابن الـجَوْزِيّ: قال ابن عدي: هذا مما يُتَّهَمُ محمد بن الحجاج بوضعه. (16)
قال الشيخ الألبانيّ: موضوع. (17)
رابعا: كتب ذكرت القصة بلا إسناد:
مِنْ عجيب ما نراه في زماننا هذا أنَّ كل الـمُنَصِّرِين تقريبًا بسبب جهلهم الرهيب بالعلوم الإسلامية يتركون الكُتُبَ الـمُسْنَدةَ التي يذكر فيها مُؤلفوها أسانيدَ ما يَرْوُونَهُ – بِغَضِّ النظر عن صحتها وضعفها الآن – من روايات ، ثم يذهب هؤلاء الجُهَّالُ ليستدلوا بالكتب التي لم تذكرْ إِسنادًا للقصة أصلا !!
فتجد أحدهم مثلا يريد الطعن بجهل في القرآن الكريم فيستدل برواية مثلا رواها ابن أبي داود في كتابه المصاحف ولكن المُنَصِّر لا يأتي بالرواية من كتاب المصاحف الذي يروي الرواية بسند بغض النظر عن صحته وضعفه الآن ، ويذهب هذا المُنَصِّر الفاشل ليأتي بالرواية مثلا من كتاب الدر المنثور أو كتاب الإتقان للسيوطي معلناً بذلك عن فقره العِلْمِيِّ الشديد بالعلوم الإسلامية.
وفي هذه الشبهة استدل القمص زكريا بطرس على قصة قتل عصماء بنت مروان من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد الذي يذكرها بلا إسناد أصلا تَارِكاً الكتبَ الأخرى الـمُسْنَدة التي تذكر القصة!
قلت: ما أقبح الجهل !
ومن عَجَبٍ أن يخرج علينا القمص زكريا بطرس ليستدلَ بالرواية من كتابٍ لم يذكر للقصة سنداً أصلاً ، وهو كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد ، فابن سعد ذكر هذه القصة هكذا بلا إسناد !
رغم أنه ادَّعى قبل ذلك أنه دارس لعلم الحديث ودارس لكل شيء . !
وإليك بعض الكتب التي تذكر قصة قتل عصماء بنت مروان بلا إسناد أصلا ومع ذلك يستدل بها المُنَصِّرُون !
- الطبقات الكبرى للإمام ابن سعد. (18)
- السيرة النبوية للإمام ابن هشام.(19)
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم للإمام ابن الجوزي.(20)
- عيون الأثر للإمام ابن سيد الناس.(21)
- البداية والنهاية للإمام ابن كثير.(22)
- الإصابة في تمييز الصحابة للإمام ابن حجر العسقلاني.(23)
- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للإمام الصالحي.(24)
- كنز العمال للمتقي الهندي.(25)
خامسا: الرد على استدلال بعض العلماء بالقصة:
من المهازل العلمية والسخافات العقلية التي تقع من الـمُنَصِّرِين قولهم أن هذا الرواية صحيحة لأن شيخَ الإسلامِ ابن تيمية وغيرَه من أهل العلم ذكروا القصة في معرض حديثهم عن حكم شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم !
والجواب على هذا الإشكال سهل ميسور بإذن الله !
فابن تيمية لم يُصَحِّح الرواية ولم يقل إنها صحيحة ، وإنما جَرَتْ عادةُ أهلِ العِلْمِ أنهم إذا تكلموا في مسألة أنهم يُورِدُونَ كُلَّ ما رُوِيَ من آثار فيها وكل ما قيل فيها من أقوال لأهل العلم .
وهذا ما درج عليه العلماء منذ بَدَأَ التصنيف في الفقه وأدلته وأصوله.
ولم يقل واحد من العلماء إنَّ مجرد ذِكْرِ عالِـم ما لرواية ما يجعلنا نقطع بصحتها .!
وإنما العمل عند العلماء في التصحيح والتضعيف يكون تبعاً لقواعد علوم الحديث .
سادسا: الروايات متناقضة:
هذه الروايات متناقضة متضاربة مما يدل على كذل القصة ووهنها فرواية تقول أن عمير بن عدي قتلها من نفسه والأخرى تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال “من لي بها” ؟
ورواية تقول إنه دخل عليها وهي نائمة تُرضع طفلَها ثم قتلها.
ورواية أخرى تقول أن عُمَيرًا أتاها وهي مستيقظة فسألها عن التمر وطلب منها تمرا أجود فلما دخلت ذهب ورائها فقتلها.
وتناقض آخر فالأولى صَرّحَتْ أن عُمَيْرَ بنَ عدي كان أعمى ضريرَ البصر .
والثانية تقول إنه قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ تَـمْـرٌ ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ ، فَأَرَتْهُ تـَمْــرًا، فَقَالَ أَرَدْتُ أَجْوَدَ مِنْ هَذَا ، قَالَ: فَدَخَلَتِ التُّرْبَةَ ، قَالَ: فَدَخَلَ خَلْفَهَا ، فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا .
فكيف نظر يمينا وشمالا وهو أعمى لا يرى ؟!!
هل العقلاء يصدقون هذا التخريف ؟!
سابعا: على فرض صحة الرواية:
أقول على فرض صحة الرواية بأن الرسول قتلها ؛ فليس فيها ما يُعاب و ليس فيها ما يقدح في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنها هذه المرأة في حكم الـمُحَارِبَة بل هي إمامٌ مِنْ أَئِمَةِ الكفر.
قال تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمـَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمـَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) سورة التوبة 12.
فَكُلُّ مَنْ يطعن في ديننا ويشتم ربَنا عزَّ وجلَّ ويسبُّ نبينا صلى الله عليه وسلم فهو إمام من أئمة الكفر محارب للإسلام .
والـمُحَارِبُ حُكْمُه أنْ نُحاربه حتى ينتهي عن الطعن في ديننا.
وَعِرْضُ نبينا صلى الله عليه وسلم وَعِرْضُ إخوانه من الأنبياء والمرسلين ليس كلأً مباحاً تلوكه الألسنة العفنة القذرة .
بل أعْراضُهُم مَنِيْعَــة مَصُونَة ، كَفَلَ الإسلامُ صِيانتها وحِمايتها عن قول كل أفَّاكٍ أثيم .
فإذا كان شاتمُ النبي مسلمًا فقد ارتدَّ عن الإسلام بهذا الفعل الإجرامي.
وإذا كان ذِمِّيًا أو مُعَاهَدًا فهو ناقض للعهد مستحق للعقوبة. ويحكم بذلك القاضي المسلم المتمرس.
وعلى فرض صحة الرواية فأنا أتساءل : لماذا ينظر هؤلاء المفترون إلى فعل الصحابي عمير ، ولم ينظروا إلى تحريض المرأة على المسلمين وسَبِّها للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
أقول كذلك على فرض صحة هذه الرواية التي ذكرها الواقدي ؛ ففيها معجزةٌ ظاهرةٌ بَـيّنةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فمن أين عَلِمَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ أن عُمَيْرَ بنَ عَدِيّ قد قتلها ؟!
فرواية الواقدي تقول إنَّ عُمَيْرًا ذَهَبَ مِن تلقاء نفسه فقتلها ، ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك دون أن يخبره عمير !.
فمن الذي أخبرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم بذلك ؟!
وهل مدعي النبوة سيعرف شيئًا غيبيًّا دون غيره من الناس ؟!
ثامناً: السُّنة الصحيحة في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه عن قتل النساء والصبيان حتى في حالة الحرب !
إلا أن تكون المرأة محاربة فيكون في هذه الحالة حكمها حكم المحارب أيضا ويجوز قتلها، وكذلك الصبي المحارب.
فقد رَوَى البخاريُّ في صحيحِه وغيرُه:
{عن عَبْدَ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ}.(26)
قال النووي:
[ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَتَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ قَاتَلُوا ؛ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يُقْتَلُونَ ].(27)
قال ابنُ بَطَّال:
[ وَلَا يَجُوزُ عند جميع العلماء قَصْدُ قَتْلِ نِسَاءِ الحَربيين ولا أطفالهم ؛ لأنهم ليسوا مِمَّنْ قَاتَلَ فى الغالب وقال تعالى : ( وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ الّذِيْنَ يُقَاتِلُونَــــكُم ].(28)
وعليه أقول: فمن الذي عَلَّمَ البشريةَ كُلَّهَا هذا التسامح وهذه الرحمةَ العظيمة بِالنِّسَاء ؟!
وهل يوجد في كتب اليهود النصارى مثالا على الرحمة كهذا المثال ؟!
وقد روى أبو داود في سننه:
{ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ « مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ». قُلْنَا نَحْنُ. قَالَ « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِى أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ »}.(29)
فَصَلِّ اللهمَّ وسلمْ وباركْ على نهرِ الرحمة وينبوعِ الحنان فداه أبي وأمي صلى الله عليه وآله وسلم.
ما هذه الرحمة العجيبة التي جعلها الله في قلب هذا الرسول الكريم !!
حتى النمل كان له نصيب من رحمته !!
فهل بعد هذه الرحمة التي تنساب متدفقة من بين ثنايا شفتيه الشريفتين الكريمتين يُتَّهّمُ هذا الرحيمُ الرءوف الرفيقُ الـحَنُونُ بهذه التهم الفارغة ؟
قليل من العقل والإنصاف يا سادة !!
تاسعاً: من فمك أُدينك
ألم تنظروا إلى ما في كتبكم يا قوم ؟ ألم تروا حجم المصائب والكوارث والجرائم الإنسانية التي اقترفها معبودكم في حق البشرية حسب ما جاء في كتابكم ؟
يقول كاتب سفر يشوع فصل رقم 8:
18فَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «مُدَّ الْمِزْرَاقَ الَّذِي بِيَدِكَ نَحْوَ عَايٍ لأَنِّي بِيَدِكَ أَدْفَعُهَا». فَمَدَّ يَشُوعُ الْمِزْرَاقَ الَّذِي بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ. 19فَقَامَ الْكَمِينُ بِسُرْعَةٍ مِنْ مَكَانِهِ وَرَكَضُوا عِنْدَمَا مَدَّ يَدَهُ, وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَأَخَذُوهَا, وَأَسْرَعُوا وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ. 20فَالْتَفَتَ رِجَالُ عَايٍ إِلَى وَرَائِهِمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا دُخَانُ الْمَدِينَةِ قَدْ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَكَانٌ لِلْهَرَبِ هُنَا أَوْ هُنَاكَ. وَالشَّعْبُ الْهَارِبُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ انْقَلَبَ عَلَى الطَّارِدِ. 21وَلَمَّا رَأَى يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ أَنَّ الْكَمِينَ قَدْ أَخَذَ الْمَدِينَةَ, وَأَنَّ دُخَانَ الْمَدِينَةِ قَدْ صَعِدَ, انْثَنَوْا وَضَرَبُوا رِجَالَ عَايٍ. 22وَهَؤُلاَءِ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ لِلِقَائِهِمْ, فَكَانُوا فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ, هَؤُلاَءِ مِنْ هُنَا وَأُولَئِكَ مِنْ هُنَاكَ. وَضَرَبُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَارِدٌ وَلاَ مُنْفَلِتٌ. 23وَأَمَّا مَلِكُ عَايٍ فَأَمْسَكُوهُ حَيّاً وَتَقَدَّمُوا بِهِ إِلَى يَشُوعَ. 24وَكَانَ لَمَّا انْتَهَى إِسْرَائِيلُ مِنْ قَتْلِ جَمِيعِ سُكَّانِ عَايٍ فِي الْحَقْلِ فِي الْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَحِقُوهُمْ, وَسَقَطُوا جَمِيعاً بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى فَنُوا أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ رَجَعَ إِلَى عَايٍ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 25فَكَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ سَقَطُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً, جَمِيعُ أَهْلِ عَايٍ. 26وَيَشُوعُ لَمْ يَرُدَّ يَدَهُ الَّتِي مَدَّهَا بِالْحَرْبَةِ حَتَّى حَرَّمَ جَمِيعَ سُكَّانِ عَايٍ. 27لَكِنِ الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ لأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَشُوعَ. 28وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا تَلاًّ أَبَدِيّاً خَرَاباً إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.29وَمَلِكُ عَايٍ عَلَّقَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ إِلَى وَقْتِ الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَطَرَحُوهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ , وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.
كتابهم يقول أن ربهم أمر بحرق مدينة كاملة !!
مدينة كاملة برجالها ونسائها وأطفالها وبهائمها وطيورها وزرعها أحرقها هذا الإله الإرهابي المجرم البغيض !!
يا إلهي !!
رحمتك يا إله العالمين !
كم صرخة امرأة احتبست في حلق صاحبتها قبل أن يبقر رجال الرب بطنها ويستخرجوا أمعائها ؟ وكم طفل ذرف الدموع قبل أن ينقض عليه المؤمنون باسم الربّ ويقتلعوا رأسه من مكانها ثم يمزقوه إلى أشلاء ؟
كم من عجوز رأت بعينها رجال الرب يهدمون بيتها ويذبحون أولادها وأحفادها قبل أن يقطّع رجال الرب أوصالَها حامدين الربَّ صائحين: هاللويا هاللويا ؟
ألم تتحركْ مشاعرُ هذا الإله المزعوم الباطل تجاه صرخات المعذبين وآهات المساكين ؟
لماذا لم يرحم ضعفَهم ويوقفْ هذه المجازرَ الجماعية ضدهم ؟
ثم فجأة بعد كل هذه الجرائم المهولة في حق الجنس البشري يخرج علينا النصارى زاعمين أن الرب تاب من أفعاله الشريرة واستيقظ ضميره النائم وقرر أن يرجع عن وحشيته ويُحِبَ البشرية من جديد فيقتل ابنه الوحيد على الصليب ليكفر خطايا البشر !
كان الواجب على هذا الإله المزعوم أن يقتل نفسه كفارة عما اقترفه هو في حق البشرية.
ولعله قتل ابنه الوحيد لأن ابنه كان شريكاً معه في هذه الجرائم والمذابح الدموية .
والسخف كل السخف حينما تقرأ تبرير علمائهم لهذه الجرائم التي لم يسبقهم أحد إلى فعلها .
فتقول دائرة المعارف الكتابية:
[ الحرب المقدسة : يمكن تبرير ما حدث فى المعارك المدونة بالسفر ، من إبادة وتدمير ، بأنها كانت حرباً مقدسة ].(30)
وتقول الموسوعة الأرثوذكسية لتفسير العهد القديم:
[ وقد قَصَدَ اللهُ قتلَ سكانِ أريحا من أجل شرورهم ، وكذلك البهائم وكل الحيوانات لأنها اسْتُخْدِمَتْ كذبائح للأوثان أو عبدوا بعضها ، أي أن الله أراد أن يزيل الشر وكل ما يتصل به ويدقق شعبه في الابتعاد عن كل ما يرتبط بالشر ..].(31)
هل هذا هو التبرير المنطقي لهذه المخازي الدموية والجرائم الإنسانية والقتل والدمار والخراب ؟!!
ثم يهاجمون النبيَّ العظيمَ الذي علّم البشرية الرحمة والرأفة والشفقة صلى الله عليه وسلم ويتهمونه بالإرهاب بحديث ساقط الإسناد، متضارب المتن !!
فعلى حساباتكم أن من قتل امرأة واحدة تعدونه إرهابياً
فماذا تقولون فيمن قتل ودمر وأحرق وأخرب مدينة كاملة ؟ ماذا ستسمونه يا نصارى ؟
والله إننا نخشى عليكم من قول الله تعالى:
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } سورة الصف آية 7.
مراجع البحـث:
(1)المغازي لمحمد بن عمر الواقدي ج3 ص172 ، ط عالم الكتب – بيروت . ت: مارسن جونس.
(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر.
(3) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي ج6 ص273 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(4) مُسند الشهاب للقُضَاعِي ج2 ص48 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.
(5) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر.
(6) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للإمام ابن كثير ص92 ، تأليف أحمد شاكر، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(7) مُسند الشهاب للقُضَاعِي ج2 ص47 ، ص48 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.
(8) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي ج6 ص101 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(9) تقريب التهذيب للإمام بن حجر العسقلاني ، ص402 ، ط الرسالة – بيروت ، ت: عادل مرشد.
(10) ميزان الاعتدال للإمام الذهبي ج6 ص23 ط دار الكتب العلمية ت: علي محمد معوض وعادل عبد الموجود .
(11) الفوائد المنتقاة للحربي ص268 ح50 ، ط دار الوطن – الرياض، ت:تيسير بن سعد أبو حيمد .
(12) تاريخ مدينة دمشق للإمام ابن عساكر ج51 ص224 ط دار الفكر – بيروت ، ت: محب الدين العمروي .
(13) تاريخ مدينة السلام للإمام الخطيب البغدادي ج15 ص118ط دار الغرب الإسلامي ت: بشار عواد معروف
(14) غوامض الأسماء المبهمة للإمام ابن بشكوال في ج2 ص530 وما بعدها ، ط دار الأندلس الخضراء – جدة ، ت: محمود مغراوي.
(15) ذخيرة الحفاظ لأبي محمد المقدسي ج5 ص2577 ط دار الدعوة بالهند ودار السلف بالرياض ، ت: عبد الرحمن الفريوائي.
(16) العلل المتناهية للإمام أبي الفرج ابن الجوزي ج1 ص180 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت ، ت: الشيخ خليل الـمَيس.
(17) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للشيخ ناصر الدين الألباني ج13 ص33 ، ط مكتبة المعارف – الرياض.
(18) الطبقات الكبرى للإمام ابن سعد ج2 ص25 ، ط مكتبة الخانجي – القاهرة ، ت: د/علي محمد عمر.
(19) السيرة النبوية للإمام ابن هشام ج4 ص490 ، ط دار الحديث – القاهرة ، ت: جمال ثابت ، محمد محمود ، سيد إبراهيم.
(20) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم للإمام ابن الجوزي ج4 ص262 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(21) عيون الأثر للإمام ابن سيد الناس ج1 ص441 ، ط دار التراث بالمدينة المنورة ، دار ابن كثير بدمشق.
(22) البداية والنهاية للإمام ابن كثير ج8 ص20 ، ط دار هجر – ، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.
(23) الإصابة في تمييز الصحابة للإمام ابن حجر العسقلاني م3 ج5 ص34 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(24) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للإمام الصالحي ج6 ص21 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(25) كنز العمال للمتقي الهندي ج13 ص429 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: بكري حَيّاني ، صفوت السقا.
(26) صحيح البُخاري للإمام محمد بن إسماعيل البُخاري ص742 ح3014 ، ط دار بن كثير – بيروت.
(27) صحيح الإمام مسلم بشرح الإمام النووي ج12 ص73 ، ط مؤسسة قرطبة – القاهرة.
(28) شرح صحيح البخاري للإمام ابن بطّال ج5 ص170 ، ط دار الرشد – الرياض ، ت: ياسر ابن إبراهيم.
(29) سنن أبي داود للإمام أبي داود السجستاني ج4 ص309 ، ط دار الرسالة العالمية ، ت: الشيخ شعيب الأرناؤوط.
(30) دائرة المعارف الكتابية ج8 ص276 ، ط دار الثقافة ، تأليف نخبة من علماء اللاهوت.
(31) الموسوعة الأرثوذكسية لتفسير العهد القديم ج4 ص49 ، كنيسة مار مرقص القبطية بمصر الجديدة ، إعداد كهنة وخدام الكنيسة.
الرد على هذه الشبهة فيديو
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.