أرشيف المدونة

هذا الصديق الأكبر هذا فاروق هذه الأمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

فهذه روايات وضعها الرافضة الأوائل ليمرروا دينهم الباطل عبرها، ففكرت أنَّ عَرْضَها وتفنيدها سيكون نافعًا بمشيئة الله للمسلمين على شبكة الإنترنت! خصوصًا الإخوة المهتمون بالرد على الشيعة الرافضة.

لكن قبل عرض الروايات ينبغي أن أذكر أحد الأصول المهمة عند المسلمين، وهي أنه لا يوجد عالِمٌ مُسْلِمٌ واحد يقول إن جميع ما في كتب المسلمين صحيح! بل اتفق جميعُ علماءِ المسلمين أن الكتب فيها الصحيح والضعيف، وأنه لا تقوم الحجة عند علماء المسلمين في باب العقائد والتشريع والأحكام إلا بالروايات الصحيحة أو الحسنة!

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أهمية الاسناد:

[وَعِلْمُ الْإِسْنَادِ وَالرِّوَايَةِ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُ سُلَّمًا إلَى الدِّرَايَةِ . فَأَهْلُ الْكِتَابِ لَا إسْنَادَ لَهُمْ يَأْثُرُونَ بِهِ الْمَنْقُولَاتِ ، وَهَكَذَا الْمُبْتَدِعُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَهْلُ الضَّلَالَاتِ ، وَإِنَّمَا الْإِسْنَادُ لِمَنْ أَعْظَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمِنَّةَ ” أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ ، يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ وَالْمُعْوَجِّ وَالْقَوِيمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْكُفَّارِ إنَّمَا عِنْدَهُمْ مَنْقُولَاتٌ يَأْثُرُونَهَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ ، وَعَلَيْهَا مِنْ دِينِهِمْ الِاعْتِمَادُ ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ فِيهَا الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ ، وَلَا الْحَالِي مِنْ الْعَاطِلِ].
مجموع الفتاوى ج1 ص9

• قال شيح الإسلام ابن تيمية:
[ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّا نَذْكُرُ قَاعِدَةً فَنَقُولُ: الْمَنْقُولَاتُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الصِّدْقِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْكَذِبِ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا إِلَى أَهْلِ عِلْمِ الْحَدِيثِ، كَمَا نَرْجِعُ إِلَى النُّحَاةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الْعَرَبِ وَنَحْوِ غَيْرِ الْعَرَبِ، وَنَرْجِعُ إِلَى عُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِيمَا هُوَ مِنَ اللُّغَةِ وَمَا لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ عُلَمَاءُ الشِّعْرِ وَالطِّبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلِكُلِّ عِلْمٍ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهِ ]. منهاج السنة النبوية (7/ 34).

قال الإمام النووي:
[ قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الاسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ والعلة قال وهذا حد الصحيح فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث ]. شرح النووي على مسلم ج1 ص34 ط قرطبة.

الرواية الأولى:

رواها الطبراني فقال: [ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَزِيرُ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَعَنْ سَلْمَانَ، قَالا: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ: ” إِنَّ هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُصافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا الصِّدِّيقُ الأَكْبَرُ، وَهَذَا فارُوقُ هَذِهِ الأُمَّةِ، يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهَذَا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الظَّالِمِ “].

أولا: هذا السند ضعيف للعلل الآتية:

1. عمر بن سعيد البصري: ضعيف الحديث.

2. أبو سخيلة: مجهول العين والحال.

فهذه الرواية تخالف الشرطين الثاني والثالث من شروط صحة الرواية!

ثانيا: متن الرواية عليه عدة إشكالات:

  1. أول من أسلم هو أبو بكر الصديق وليس علي بن أبي طالب كما هو ثابت في صحيح مسلم.
  2. الصديق الأكبر هو أبو بكر الصديق بلا خلاف عند علماء المسلمين، وذلك لأنه الوحيد الذي لَقَّبَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم بهذا اللقب الشريف. فكيف يقال إن عليًا هو الصديق الأكبر؟!
  3. لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم سمَّى علي بن أبي طالب الصديق الأكبر وفاروق هذه الأمة، لنقل الصحابة رضي الله عنهم ذلك وتداولوه بينهم. 

ثالثا: ليس لدينا مشكلة على الإطلاق أن نثبت هذه الأوصاف وهذه الألقاب لعلي بن أبي طالب عليه السلام والرضوان، وهو من هو، ولكن مشكلتنا هي حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم التقول عليه ما لم يقله. فلقد حذرنا عليه الصلاة والسلام قائلا: [ مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ]. رواه مسلم في صحيحه.

رابعا: إذا كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو أفضل رجل في الأمة الإسلامية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما يقول المستدل بهذه الرواية وأمثالها – فلماذا نجد الروايات مستفيضة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتفضيل أبي بكر وعمر وعلى رضي الله عنهما نفسه؟!

وإليك بعض هذه الروايات:

1. عَنْ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، فَقَالَ: مَنْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ فَقُلْتُ: أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: ” لَا خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَمَا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ “.
مسند أحمد ط الرسالة (2/ 201)

2. عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، سَمِعْتُ عَلِيًّا،، يَقُولُ: ” خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَلَوْ شِئْتُ لَحَدَّثْتُكُمْ بِالثَّالِثِ ]. مسند أحمد ط الرسالة (2/ 224).

3. عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: ” أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ أَبُو بَكْرٍ، وَخَيْرُهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ: عُمَرُ، ثُمَّ يَجْعَلُ اللهُ الْخَيْرَ حَيْثُ أَحَبَّ ]. مسند أحمد ط الرسالة (2/ 245).

4.  عن محمد بن علي بن أبي طالب قال: قلت لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟! قال: ثم عمر. قال: وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟! قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. صحيح البخاري – حديث رقم: 3671. 

والحمد لله رب العالمين ،،،،

الإعلان

فرية دعاء عثمان بن عفان على طلحة بسفك دمه

قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث

نسف افتراءات د/ عدنان إبراهيم حول الصحابة

شبهة دعاء عثمان بن عفان على طلحة بسفك دمه !

لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

هذه سلسلة ردود علمية على شبهات الدكتور عدنان إبراهيم حول أصحاب رسولنا الكريم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

ادَّعى الدكتور عدنان أنَّ عثمان دعا على طلحة بن عبيد أن يُسفك دَمُهُ, وأنهما كانا في خلاف شديد.!!

واستدل بما رواه الطبري قال:

{ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَـانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَحَدَّثْتُ عِنْدَهُ سَاعَةً، فَقَالَ: يَابْنَ عَيَّاشٍ تَعَالَ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَسْمَعَنِي كَلامَ مَنْ عَلَى بَابِ عُثْمَـانَ، فَسَمِعْنَا كَلامًا مِنْهُمْ، مَنْ يَقُولُ: مَا تَنْتَظِرُونَ بِهِ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: انْظُرُوا عَسَى أَنْ يُرَاجِعَ. فَبَيْنَا أَنَا وَهُوَ وَاقِفَانِ، إِذْ مَرَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَوَقَفَ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عُدَيْسٍ؟ فَقِيلَ: هَا هُوَ ذَا. قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ عُدَيْسٍ، فَنَاجَاهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ عُدَيْسٍ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: لا تَتَرْكُوا أَحَدًا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَلا يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي عُثْمَـانُ: هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ عُثْمَـانُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ حَمَلَ عَلَيَّ هَؤُلاءِ وَأَلَّبَهُمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مِنْهَا صِفْرًا، وَأَنْ يُسْفَكَ دَمُهُ، إِنَّهُ انْتَهَكَ مِنِّي مَا لا يَحِلُّ لَهُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ” لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا فِي إِحْدَى ثَلاثٍ: رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ فَيُقْتَلُ، أَوْ رَجُلٍ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَيُرْجَمُ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ “، فَفِيمَ أُقْتَلُ؟ قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ عُثْمَـانُ، قَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ فَمَنَعُونِي، حَتَّى مَرَّ بِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: خَلُّوهُ فَخَلُّونِي }.(1)

وللردِّ على هذه الفرية أقول:

أولاً: الرواية غير صحيحة:

فسندُها فيه راوٍ كَذَّاب متروك الحديث.

والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً فقط، ويجب أن تنطبق عليه شروط خمس وهي:

1- اتصال السند.

2- عدالة الرواة.

3- ضبط الرواة.

4- انتفاء الشذوذ.

5- انتفاء العلة.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:

{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَلَا يَكُونُ شَاذَّاً، وَلا مُعَلَّلاً}.(2)

والرواية تخالف الشرط الأول والثاني من شروط صِحَّةِ الرواية وهما اتصالُ السَّند وعَدالةُ الرواة.

علل الرواية:

العلة الأولى: محمد بن عمر الواقدي.

وهو رجل كذَّاب كما قال أهلُ الْعِلْمِ بالحديث.

قال الإمام شمس الدين الذهبي:

{ محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي .

قال أحمد بن حنبل: هو كذَّاب يقلب الأحاديث.

وقال ابن معين: ليس بثقة.

وقال مرة: لا يُكْتَبُ حَدِيثُه.

وقال البخاري وأبو حاتم: متروك.

وقال أبو حاتم أيضا والنسائي: يضع الحديث }.(3)

العلة الثانية: الانقطاع.

فالإمام الطبري لم يسمع الرواية من الواقدي لأنه لم يدركه, وهذا يسمى انقطاعًا, والانقطاع في السند علة تمنعنا من قبوله.

فالواقدي مُتَوفَّى سنة 207 من الهجرة, والإمام الطبري مولود سنة 224 من الهجرة.

فهاتان عِلتان تمنعنا كلُّ عِلَّةٍ منهما من قبول هذه الرواية.

فكيف وقد اجتمعت العِلَّتَانِ في رِوَايةٍ واحدة ؟

ثانياً: حُكْم المحققين على الرواية:

لقد حَكَمَ علماءُ التحقيق بضعف هذه الرواية في كتبهم طبقاً لقواعد علم الحديث الشريف.

قال محققو تاريخ الطبري:

{ الإسناد إلى الواقدي منقطع, والواقدي متروك الحديث }.(4)

فكما ترى عزيزي القارئ أن محققي تاريخ الطبري يحكمون على الرواية بالضعف, فعلى أي شيء اعتمد عدنان إبراهيم ليبث في تلاميذه رواية كهذه ؟؟

ثالثاً: لماذا توجد مثل هذه الروايات في كتبنا: ؟

يتساءل البعضُ عن سبب وجود مثل هذه الروايات, ويقول أنه طالما أن هذه الروايات موجودة في كتبكم فهي حُجَّةٌ عليكم.!

وللرد على هذا أقول: أن علماء أهل السنة والجماعة حينما صنفوا كتبهم, صنفوها بمناهج مختلفة من حيث الصحة والضعف.

فبعض العلماء اشترط الصحة في كتابه كالإمامين الجليلين البخاري ومسلم في صحيحهما.

وجُلُّ العلماء لم يشترطوا الصحة أصلًا؛ وهذا طبعًا بالنسبة لكتب السنة والحديث.

أما كتب التاريخ فلم يشترط العلماء فيها الصحة مطلقًا وإنما جمعوا ما قدر الله لهم أن يجمعوا من التاريخ ورواياته.

خُذْ مثالًا على ذلك:

قال الإمام الطبري:

{ فَمَـا يَكُنْ فِي كِتَابِي هَذَا مِنْ خَبَرٍ ذَكَرْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْـمَـاضِينَ، مِمَّا يَسْتَنْكِرُهُ قَارِئُهُ، أَوْ يَسْتَشْنِعُهُ سَامِعُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ لَهُ وَجْهاً فِي الصِّحَّةِ وَلَا مَعْنَى فِي الْـحَقِيقَةِ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِنَا، وَإِنَّمَـا أُتِىَ مِنْ قَبَلِ بَعْضِ نَاقِلِيهِ إِلَيْنَا، وَإِنَّا إِنَّمـَا أَدَّيْنَا ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا أُدِّيَ إِلَيْنَا }.(5)

فالإمام الطبري يخبرنا أننا قد نجد روايات يستنكرها القارئ ويستشنعها السامع, فيخبرنا الإمام الطبري أن ذلك ليس منه وإنما هو مجرد ناقل أمين لكل ما كان يُروى من أخبار وأحداث.

رابعاً: فماذا علينا أن نفعل:

يقول الدكتور إبراهيم العلي:

{ الإسنادُ لابد منه في كُلِّ أمر من أمور الدين, وعليه الاعتمادُ في الأحاديث النبوية وفي الأحكام الشرعية وفي المناقب والفضائل والمغازي والسير وغير ذلك من أمور الدين المتين والشرع المبين, فشيءٌ من هذه الأمور لا ينبغي عليه الاعتماد مالم يتأكد بالإسناد, لاسيما بعد القرون المشهود لها بالخير… وقد شدد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم على ضرورة الإسناد, وأنه مطلوب في الدين, وأنه مِن خصائص أُمَّة الإسلام }.(6)

واستدل الدكتور إبراهيم العلي بكلام الراسخين من أهل العلم على أهمية الإسناد ومكانته.

روى الإمام مسلم في صحيحه قال:

{ عَنْ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْـمُبَارَكِ، يَقُولُ: «الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ» }.(7)

خامساً: تحذير النبي من الخوض في الصحابة:

لقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخوض في الأعراض سواءً كانوا مسلمين أم لا.

روى الإمام أحمد:

{ عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: « … وَمَنْ قَالَ: فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ » }.(8)

ورَدْغَة الخَبال: عِصارة أهل النار

فما بالك إذا كان هذا الخوض في أعراض خير الناس بعد الرسل والأنبياء ؟

روى الإمام الطبراني:

{ عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا»}.(9)

والرواية صححها العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير بمجموع طرقها.(10)

سادساً: ماذا يريد د/عدنان إبراهيم:

أتساءل ماذا يريد الدكتور عدنان من إثارة هذه الروايات الباطلة التي توغر صدور الناس على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا يَسَعُكَ السكوت عنهم كما وَسِعَ مَنْ قَبْلَكَ ؟

ما فائدة خوضك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامك فيهم بالحق والباطل ؟

كثيرًا ما أسمع عدنان إبراهيم يحتج بكلام الإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي وغيرهما من

الأئمة الأكابر في حديثه, فقلتُ في نفسي؛ كُلُّ هؤلاءِ الأكابر عقيدتهم واضحة في الصحابة رضي الله عنهم. وهي الترضي عليهم والإمساك عما بدر منهم، وأنَّ اجتهادهم الصحيح مأجور وخطأهم مغفور.

روى الإمامُ أبو بكر الخلَّال قال:

{ أخبرني محمد بن موسى قال سمعت أبا بكر بن سندي قرابة إبراهيم الحربي قال كنتُ أو حضرتُ أو سمعتُ أبا عبدالله وسأله رجلٌ: يا أبا عبدالله، لي خال ذكر أنه ينتقص معاوية وربمـا أكلتُ معه، فقال أبو عبد الله مبادرًا: لا تأكلْ معه }.(11)

وإسناده صحيح كما قال محقق الكتاب.

فها هو الإمام أحمد بن حنبل يمنع السائل من الأكل مع من ينتقص سيدنا معاوية.

فماذا كان سيقول الإمام أحمد عَمَّنْ يسب معاوية سبًا صريحًا, ويشتمه شتمًا قبيحًا ؟؟

أرجو أن يرعوي الدكتور عدنان ويَكُفَّ عن سبِّ الصحابة رضي الله عنهم حتى لا يبوء بقول النبي صلى الله عليه وسلم { مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }.(12)

والحديث حَسَّنَه الشيخُ الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة.(13)

وتلك فتن عَصَمَ الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا, وأذكرك بقول الله تعالى { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }. (سورة البقرة آية134).

مراجع البحـث:

 (1)  تاريخ الرسل والملوك للإمام محمد بن جرير الطبري ج4 ص378 ، ط دار المعارف – القاهرة، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم.

 (2)  علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ، دار الفكر – سوريا  ، ت: نور الدين عنتر.

 (3)  ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام شمس الدين الذهبي ج6 ص273 ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.

 (4)  ضعيف تاريخ الطبري ج8 ص572 ، ط دار بن كثير – دمشق. للشيخين محمد بن طاهر البرزنجي ومحمد صبحي حسن حلاق.

 (5)  تاريخ الرسل والملوك للإمام محمد بن جرير الطبري ج1 ص8 ، ط دار المعارف مصر، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم.

 (6)  صحيح السيرة النبوية للدكتور إبراهيم العلي ص12، طبعة دار النفائس – الأردن.

 (7)  مقدمة صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج ص8 ، ط دار طيبة – الرياض، ت: نظر محمد الفاريابي.

 (8)  مُسند الإمام أحمد بن حنبل ج9 ص283 ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: الشيخ شعيب الأرنؤوط وآخرون.

 (9)  المعجم الكبير للإمام سليمان بن أحمد الطبراني ج2 ص96 , ط مكتبة بن تيمية – القاهرة، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.

(10) صحيح الجامع الصغير للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ص155 ح545 , ط المكتب الإسلامي – بيروت.

(11) كتاب السُنة للإمام أبي بكر الخلَّال ج2 ص448 ط دار الراية – الرياض، ت: د/عطية الزهراني. وسند الرواية صحيح.

(12) المعجم الكبير للإمام سليمان بن أحمد الطبراني ج12 ص142 ط مكتبة بن تيمية – القاهرة، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.

(13) سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ج5 ص446 ط مكتبة المعارف – الرياض.

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

الرد مصورا على هذه الفرية

فرية عراة يركبون رسول الله !

قناة مكافح الشبهات . أبو عمر الباحث

نسف أكاذيب النصارى حول أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم

فرية عراة يركبون رسول الله !

حلقة مصورة للرد على هذه الشبهة:

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد:

هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى حول أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم

كتب أحد النصارى أن عراة ركبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم !

واستدل بالرواية التالية:

قال الإمام أحمد في مسنده

[ حَدَّثَنَا عَارِمٌ، وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: قَالَ أَبِي: حَدَّثَنِي أَبُو تَمِيمَةَ، عَنْ عَمْرٍو – لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَ: الْبِكَالِيَّ يُحَدِّثُهُ عَمْرٌو – عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ – قَالَ عَمْرٌو إِنَّ عَبْدَ اللهِ -، قَالَ: اسْتَتبْعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أَتَيْتُ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَطَّ لِي خِطَّةً، فَقَالَ لِي: ” كُنْ بَيْنَ ظَهْرَيْ هَذِهِ لَا تَخْرُجْ مِنْهَا، فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ هَلَكْتَ ” . قَالَ: فَكُنْتُ فِيهَا، قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَذَفَةً ، أَوْ أَبْعَدَ شَيْئًا، أَوْ كَمَا قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ ذَكَرَ هَنِينًا كَأَنَّهُمْ الزُّطُّ (قَالَ عَفَّانُ: أَوْ كَمَا قَالَ عَفَّانُ: إِنْ شَاءَ اللهُ) : لَيْسَ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ، وَلَا أَرَى سَوْآتِهِمْ، طِوَالًا، قَلِيلٌ لَحْمُهُمْ ، قَالَ: فَأَتَوْا، فَجَعَلُوا يَرْكَبُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ: وَجَعَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ . قَالَ: وَجَعَلُوا يَأْتُونِي فَيُخَيِّلُونَ، أَوْ يَمِيلُونَ حَوْلِي، وَيَعْتَرِضُونَ لِي . قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأُرْعِبْتُ مِنْهُمْ رُعْبًا شَدِيدًا . قَالَ: فَجَلَسْتُ، أَوْ كَمَا قَالَ . قَالَ: فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ جَعَلُوا يَذْهَبُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ . قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ ثَقِيلًا وَجِعًا، أَوْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ وَجِعًا، مِمَّا رَكِبُوهُ . قَالَ: ” إِنِّي لَأَجِدُنِي ثَقِيلًا “، أَوْ كَمَا قَالَ . فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي . أَوْ كَمَا قَالَ . قَالَ : ثُمَّ إِنَّ هَنِين أَتَوْا، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ طِوَالٌ . أَوْ كَمَا قَالَ، وَقَدْ أَغْفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأُرْعِبْتُ مِنْهُمْ أَشَدَّ مِمَّا أُرْعِبْتُ الْمَرَّةَ الْأُولَى – قَالَ عَارِمٌ فِي حَدِيثِهِ -: قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَقَدْ أُعْطِيَ هَذَا الْعَبْدُ خَيْرًا، أَوْ كَمَا قَالُوا: إِنَّ عَيْنَيْهِ نَائِمَتَانِ، أَوْ قَالَ : عَيْنَهُ، أَوْ كَمَا قَالُوا: وَقَلْبَهُ يَقْظَانُ، ثُمَّ قَالَ: – قَالَ عَارِمٌ وَعَفَّانُ -: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلُمَّ فَلْنَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا، أَوْ كَمَا قَالُوا . قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا وَنُؤَوِّلُ نَحْنُ، أَوْ نَضْرِبُ نَحْنُ وَتُؤَوِّلُونَ أَنْتُمْ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ سَيِّدٍ ابْتَنَى بُنْيَانًا حَصِينًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى النَّاسِ بِطَعَامٍ، أَوْ كَمَا قَالَ . فَمَنْ لَمْ يَأْتِ طَعَامَهُ، أَوْ قَالَ: لَمْ يَتْبَعْهُ، عَذَّبَهُ عَذَابًا شَدِيدًا، أَوْ كَمَا قَالُوا . قَالَ الْآخَرُونَ: أَمَّا السَّيِّدُ: فَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَأَمَّا الْبُنْيَانُ: فَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَالطَّعَامُ: الْجَنَّةُ وَهُوَ الدَّاعِي، فَمَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ فِي الْجَنَّةِ . – قَالَ عَارِمٌ فِي حَدِيثِهِ -: أَوْ كَمَا قَالُوا، وَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ عُذِّبَ، أَوْ كَمَا قَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: ” مَا رَأَيْتَ يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ ؟ ” فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: رَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا خَفِيَ عَلَيَّ مِمَّا قَالُوا شَيْءٌ “، قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” هُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ – أَوْ قَالَ – هُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ كَمَا شَاءَ الله ].(1)

ومحل استدلاله هو قوله:

فَجَعَلُوا يَرْكَبُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإليكم الرد على هذا صاحب العقل المغيّب :

أولا: هذه الرواية لا تصح من جهة الإسناد:

فسند الرواية يقول:

[ حَدَّثَنِى أَبُو تَمِيمَةَ عَنْ عَمْرٍو – لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَ الْبِكَالِىَّ – يُحَدِّثُهُ عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ… ].

وعمرو البِكالي لم يسمعْ من عبد الله ابن مسعود فيكون الحديث منقطعًا.

قال البخاري: [ ولا يُعرف لعمرو سماعٌ من ابن مسعود ].(2)

ثانيا: العلماء يقولون بضعف الرواية:

1- فقد قال البخاري بعد ذكره لنفس الرواية: ولا يُعْرَف لعمرو سَمَاعٌ من ابن مسعود.(3)

وهذا تضعيفٌ من البخاري للرواية لأنَّ عدم سماع عمرو البكالي من ابن مسعود يعني الانقطاع ، والانقطاع علّة تقدح في سند الرواية.

وقد يقال إن بعضَ العلماءِ يقولون أن عمرو البكالي له صُحبة وهذا لا يضر في الانقطاع.

فأقول: لا؛ لأننا في الحالة لا نعرف يقيناً هل نقل عمرو البكالي هذه الرواية عن ابن مسعود بواسطة صحابي آخر أم بواسطة تابعي.

فإن كان بينهما صحابي فجهالة الصحابي لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول .

وإن كان بينهما تابعي فجهالة التابعي تُضَعِّفُ الرواية لأن التابعين ليسوا كلهم عدولاً.

وطالما لم نعرف هل الواسطة صحابي أم تابعي فالرواية باقية على ضعفها حتى نعرف ونتبين.

2- قال ابن كثير: رواه الإمام أحمد، بهذا الإسناد، وقال: [ وفيه غرابة شديدة ].(4)

3- وضعّف الروايةَ محققو مسند الإمام أحمد فقالوا: [ إسناده ضعيف ].(5)

4- كما حكم عليها مُحَقِّقُ كتابِ التاريخ الأوسط للبخاري بالضعف فقال: [ إسناده ضعيف بما أعلّه البخاري به ].(6)

ثالثا: مما يدل أيضا على ضعف الرواية أن ابن مسعود نفسه قال إنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن.

نعم، ثبت عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة لقائه بالجن، فروى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: فَقَالَ عَلْقَمَةُ، أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ. فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ. قَالَ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ. قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ. فَقَالَ: «أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ» قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. صحيح مسلم برقم 150 – (450).

وثبت في صحيح مسلم عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ ]. صحيح مسلم برقم 152 – (450).

فإذا كان ابن مسعود يقول إنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فكيف يحكي لنا قصة لم يشاهدها؟! وعليه فالرواية لا تصح سندًا ولا متنًا كما تقدم!

رابعا: الرواية على فرض صحتها ليس فيها ما يقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليس في متن الحديث ما يقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا

فليس في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعرّى مطلقاً أو فعل ما ذهبت إليه عقول النصارى المريضة.

قال الطبري في تفسيره:

[واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ؛فقال بعضهم عَنى بذلك الجن أنهم كادوا يركبون رسول الله لما سمعوا القرآن].(7)

إذا فالعلماء عندما يذكرون هذه الرواية يتحدثون عن الجن وليس عن الإنس.

ومعنى يركبون مذكور في الرواية التي رواها البيهقي في دلائل النبوة:  

[ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «انْطَلَقْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ حَتَّى إِذَا أَتَى الْحَجُونَ، فَخَطَّ عَلَيَّ خَطًّا ثُمَّ تَقَدَّمَ إليهم فَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ ..].(8)

وبالجمع بين الروايات تبيّن لنا معنى قوله [يركبون]، أي يزدحمون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويقتربون منه. وهذا المعنى ذكره محققو مسند الإمام أحمد في هامش الرواية، قالوا: [يركبون، أي: يزحمونه ويقربون منه].(9)

ثم إن الحديث عن الجن كما جاء في الروايات الأخرى وليس عن بشر مثلنا.

ذكر أن هؤلاء الجن ليس لهم أعضاء تناسلية بدليل قوله (وَلَا أرَى سَوْآتِهِمْ) فإن كان هؤلاء ليس لهم سوءة فكيف استطاعوا أن يفعلوا ما ذهبت إليه عقول النصارى؟!

وهل حينما يقال إن فلاناً ركب البحر يعني هذا أن فلاناً هذا فعل بالبحر الفاحشة ؟!

ولكن يبدو أن النصارى ومن يسير على دربهم من العلمانيين ومدعي التنوير لا يفهمون من كلمة “يركب” إلا الجنس والشذوذ !
وربما يعود سبب هذا التفكير الجنسي لما في كتابهم من جنس ودعارة وشذوذ وحكايات غرامية وزنا للأنبياء والمحارم ووصف صارخ فاضح لأعضاء الأنوثة عند النساء وأعضاء الذكورة عند الرجال !

وعلى مذهب النصارى في فهم كلمة “يركب” أن كل من قيل عنه أنه ركبه الهَمُّ – الحزن -فيكون الهَمُّ قد فعل به الفاحشة !!

ومَن رَكِبَهُ الدَّيْنُ – أي يكون مديوناً – يكون الدَّيْنُ قد فعل به الفاحشة !!

وعلى هذا فَقِسْ ، فعقول النصارى تلتهب من الذكاء والعلم والأدب.!

ولعلّك لا تستغرب عزيزي القارئ من هذه التخريفات التي ملئت عقول النصارى عندما تعلم أن كتابهم يأمرهم بعدم تشغيل عقولهم.

فيقول كاتب سفر الأمثال 3 : 5: [توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد.]

ثم إن اللواط مُحَرَّم في الإسلام  العظيم

قال الذهبي في كتاب الكبائر:

[ واللواط أفحش من الزنا وأقبح ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” اقتلوا الفاعل و المفعول بهوعنه صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله من عمل عمل قوم لوط” . قال ابن عباس رضي الله عنهما يُنظر أعلى بناء في القرية فيُلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فُعل بقوم لوط .
وأجمع المسلمون على أن التلوط من الكبائر التي حرم الله تعالى ].(10)

خامسا: من فمك أدينك أيها النصراني الشرير:

إذا أصرّ النصارى على هذا التفكير الشاذ المختل المريض فعليهم أن يُفسِّروا هذه النصوص أيضا بنفس هذه العقلية المريضة:

يقول كاتب سفر التثنية 33 / 26:

[ليس مثل الله يا يشورون.يركب السماء في معونتك والغمام في عظمته]

فهل الإله عندهم ركب السماء أي فعل بها الفاحشة بحسب نفس هذه العقلية المريضة؟؟

يقول كاتب سفر الملوك الثاني 4 / 34 عن النبي إليشع:

[ثم صعد واضطجع فوق الصبي ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه وتمدّد عليه فسخن جسد الولد.!]

فيا تُرى ما تفسير النصارى لهذين النصّين عِلْماً بأن النصَّ الأخير يُصرِّح أن إليشع ركب فوق الصبي واضطجع فوقه؟

مراجع البحث:

(1) مسند أحمد بن حنبل ج6 ص332 ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: شعيب الأرناؤوط وآخرون.

(2) التاريخ الكبير للبخاري ج2 ص200 ط دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد – الدكن.

(3) التاريخ الأوسط للبخاري ج2 ص1072 ط دار الرشد  ، ت: د/تيسير ابن سعد أبو حيمد.

(4) تفسير ابن كثير ج7 ص293 ط دار طيبة – الرياض ، السعودية. ت: سامي بن محمد السلامة.

(5) مسند أحمد ج6 ص334 ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: شعيب الأرناؤوط وآخرون.

(6) التاريخ الأوسط للبخاري ج2 ص1072 ط دار الرشد ، ت: د/تيسير ابن سعد أبو حيمد.

(7) تفسير الإمام الطبري ج23 ص66 ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: أحمد محمد شاكر.

(8) دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص232 ط دار الكتب العلمية – بيروت.

(9) مسند أحمد بن حنبل ج6 ص337.

(10) كتاب الكبائر للإمام الذهبي ص81 ط دار ابن كثير دمشق – بيروت ، ت: محيى الدين مستو.

تمت بحمد الله

كتبه أبو عمر الباحث

غفر الله له ولوالديه

%d مدونون معجبون بهذه: