أرشيف المدونة
هل كان ابنُ تيمية يبغض عليَّ بن أبي طالب؟
قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
مفتي الإباضية أحمد الخليلي في ميزان البحث العلمي
هل كان ابنُ تيمية يحقِد على عليِّ بن أبي طالب؟! حلقة (11)!
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آلِهِ وصحبه ومَن والاه، وبعد:
فهذا الجزءُ الحادي العَشَر مِنْ سِلْسِلَةِ الردودِ الْعِلْمِيَّةِ عَلَى شُبُهَات وافتراءات مُفْتِي الإباضية الشيخ أحمد الخليلي هدانا الله وإياه ، وبيانِ مَنْهَجِهِ المُخَالِفِ لِكِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، بل وحَتَّى مخالفاته لمنهج محققي الإباضية!
وَفيه تَفْنِـيد شبهاته حَوْلَ الإمام الكبير والشيخ الجليل ابن تيمية رحمه الله.
يقول الخليلي في كِتَابِهِ الاسْتِبْدَاد:
[ومع تقادم العهد، بقي ابن تيمية ـ مع محاولته طي ما في نفسه عن الناس- تنفلت منه عبارات، تشي عما يعتمل بين حناياه من الحقد على أبي السبطين – كرم الله وجهه، حتى أنه شبهه بفرعون، حيث قال: «ثم يقال لهؤلاء الرافضة: لو قالت لكم النواصب: علي قد استحل دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رياسته، وقد قال النبي لي : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وقال: «ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» فيكون عليٌّ كافرًا لذلك؛ لم تكن حجتكم أقوى من حجتهم، لأن الأحاديث التي احتجوا بها صحيحة، وأيضا فيقولون: قتل النفوس فساد، فمن قتل النفوس على طاعته كان مريدا للعلو في الأرض والفساد، وهذا حال فرعون، والله تعالى يقول”تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نجَعَلَها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ ولا فَسَادًا وَالْعاَقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة].(1)
قلت:
لو أردنا أن نَضرِبَ مِثالًا وَاضِحًا صريحًا على الخِيَانَة العِلْمِيَّـة والتدليس وانعدام الفهم والتخبُّطِ لما وجدنا أفضل من كلام الخليلي السابق كمثال صريح على ذلك ! ولعلَّ هذا من أعراض الشيخوخةِ !
فقد حَكَوْا أنَّ طالِبًا من طُلَّاب أبي الحسن الإشبيلي سأله قائلًا: يا أستاذ، ما الكَمَوْج؟!
فقال له أبو الحسن : وأين رأيتَ هذه اللفظة؟!
قال: في قول امرئ القيس: ولَيلٍ كَمَوجْ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ .
فقال له أبو الحسن : الكموج : دويبة من دواب البر، تحمل الكتب ولا تعلم ما فيها .أهـ
فالخليلي اعتبر كلام ابن تيمية هذا حِقْدًا يعتمل بين حناياه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه!!
مع أن ابن تيمية لم يُرِدْ مَا فَهِمَه مُفتي الأباضية على الإطلاق!
وغالب ظني أن الخليلي نقل هذه الشبهات المضحكة من صفحات الرَّافِضَة على الإنترنت، فهذه السَّخَافَاتُ لا تخرج إلا من عند الرافضة!
وشيخ الإسلام ابن تيمية ليس مَسئولًا عَمَّنْ يَقرأ كلامَه ولا يفهمه!
المهم أن الخليلي وصف كلام ابن تيمية بما قال ، لكنَّ الخليليَّ لم يعتبرْ شَتْمَ عُلَمَاءِ الأباضيةِ الصَّرِيحَ لعليِّ بن أبي طالب وتكفيرَهُم له حِقْدًا يَعْتَمِلُ بين حناياهم! وهاك شيئا من أقوالهم
أولا:
سَبُّ وشَتْمُ علماءِ الأباضية لعلي بن أبي طالب وتكفيرهم له:
يقول إمامُ الأباضية أبو سَعِيد الكُدَمِي:
[ وقد أظهرت الحُجَّةُ عليَّ بنَ أبي طالب بالنكير بمفارقتهم له (أهل النهروان)، واعتزالهم عنه ، ومحاربتهم له ، إذْ أراد حربَهم على ذلك ، وبالواحِدة من ذلك تقوم عليه الحُجَّةُ ، ولو كان مُحِقًّا
واحتمل حقه وباطله ، فإنكار الحُجَّة عليه مُزِيلٌ لِعُذْرِهِ ، مُوجِبٌ لِضَلَالِهِ وكُفْرِهِ ].(2)
وأبو سعيد الكُدَمِيُّ هذا يلقبه الخليليُّ مُفْتِي الأباضية بأنه إمامُ المذهب بلا منازع !!
فالكُدَمِيُّ هذا يتهم أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب بالضلال والكفر، ومع ذلك لم ير الخليلي حَنَايَا كُدَمِيِّهِ تعتمل على حِقْدٍ أو ما شابه ، لكنه فقط فهم كلام ابن تيمية بالمقلوب ثم قال ما قال!
ويقول كتاب السير والجوابات:
[ وكذلك عليٌّ أَمَرَهُ الله بقتالهم فلا يحل له ترك ذلك ولا تحريمه منهم حتى يفيئوا إلى أمر الله، ولا يحكم أحدًا منهم ولا فيهم بعد أن فرّق الله بينه وبينهم. فهذا دليل على كُفْر عليٍّ وضلاله، وصواب أهل النهروان وعدلهم ].(3)
أما شيخُ الأباضية محمد بن إبراهيم الكنديُّ فيعلن براءته من عليٍّ قَائِلًا:
[ وَبَرِئْنَا بَعْدِ النَّبِيِّ ﷺ من أهل القبلة الذين هم من أهل القبلة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وجميع من رضي بحكومة الحكمين، وترك حكم الله إلى حكومة عبد الملك بن مروان وعبيد الله بن زياد والحجاج بن يوسف وأبي جعفر والمهدي وهارون وعبد الله بن هارون، وأتباعهم وأشياعهم ومَنْ تَوَلَّاهُم على كُفْرِهِمْ وَجَورِهِمْ من أهل الْبِدَعِ وَأَصْحَابِ الهوى.
قال أبو عبد الله محمد بن محبوب: نوافِقُهم على هذا، والبراءة ممن سَمَّـاه].(4)
إذا فعلماءُ الأباضية يتبرؤون من عليِّ بن أبي طالب، ويتهمونه بالجَور والضلال والكفر.
بالإضافة إلى أن إِمَامَ مَذْهَبِهِم أبا سَعِيدٍ الْكُدَمِيَّ وَصَفَ سِيرَةَ عَلِيِّ بْنِ أبي طالبٍ بالقبيحة!! (5)
لكن كل هذه الشتائم وهذا السِّبَاب والتكفير من علماء الأباضية لم يجعل الخليليَّ يرى ما يعتمل بين حناياهم من غِلٍّ وَضَغَائِنَ وَأَحْقَادٍ على عليِّ بن أبي طالب، لكنه اتَّهَمَ شَيخَ الإسلامِ بِذَلِكَ!!
ثانيًا:
من الذي قال إن شيخ الإسلام كان يحقِد على عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه؟!
هذا كَذِبٌ صريح مُتَعَمَّدٌ، وكتب ابن تيمية تزخر بِعَكْسِ ذلك تمامًا !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
[ فَضْلُ عَلِيٍّ وَوِلَايَتُهُ لِلَّهِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ أَفَادَتْنَا الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ، لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى كَذِبٍ وَلَا إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ].(6)
ومعنى قوله “العلم اليقيني” أي العِلْم القَطْعِيُّ الذي ليس فيه ذَرَّةٌ من الشك !
فإذا كان ابن تيمية يقول إن ثبوت فضل علي بن أبي طالب وولايته ومنزلته العالية مقطوعٌ بصحته، وليس فيه مجالٌ للشَّكِّ، فكيف يكون قائل هذا عن عليِّ بن أبي طالب حاقدًا عليه ؟!
وقال أيضًا:
[وَأَمَّا كَوْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَعَلِيٍّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِ عَلِيٍّ، فَعَلِيٌّ الْيَوْمَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ].(7)
وهناك يقرر ابنُ تيمية أن مولاة علي بن أبي طالب وهو حُبُّ المؤمنين له وَصْفٌ ثَبَتَ لِعَلِيِّ بن أبي طالب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، ثم يقرر ابنُ تيمية أن عليًا رضي الله عنه اليوم هو مولى لِكُلِّ مؤمنٍ.
والسؤال الآن: هل ابن تيمية يعتبر نفسه مؤمنًا أم لا ؟!
مُؤَكَّدٌ أَنَّ كلَّ شَخْصٍ يعتقد في نفسه الإيمان، وابن تيمية يقول إن عليًا اليوم مولًى لكل المؤمنين، فهذا يعني أن ابنَ تيمية يَتَوَلَّى عليَّ بن أبي طالب وَيُـحِبُّه وينصره !
قال شيخ الإسلام أيضًا مُؤَكِّدًا على هذا المعنى:
[وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُوَالَاةَ عَلِيٍّ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ ، كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مُوَلَاةُ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ].(8)
إذًا فابنُ تيميَّة يرى وُجُوبَ مُوَلَاةِ عليِّ بن أبي طالب، والمولاةُ تتضمَّنُ المحبة، كما قال ابن تيمية:
[ فَإِنَّ الْوَلَايَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، والْوَلَايَةُ تَتَضَمَّنُ الْمَحَبَّةَ وَالْمُوَافَقَةَ، والْعَدَاوَةُ تَتَضَمَّنُ الْبُغْضَ وَالْمُخَالَفَةَ].(9)
بل قَرَّرَ ابنُ تيمية أنَّ الْـمَحَبَّةَ هي أَصْلُ الوَلَايَةِ، فقال:
[ وَالْوَلَايَةُ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْمَحَبَّةُ وَالْقُرْبُ، وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ وَالْبُعْدُ].(10)
فكيف يكون ابنُ تيمية موالِيًا لعليِّ بنْ أبي طالبٍ مُحِبًّا له، وهو يحقد عليه كما زعم الخليلي ؟!
هل يستقيم هذا التفكِيرُ في عقل الخليلي، إذا كان ذلك كذلك فإنه لا يستقيم عند العقلاء!
وقال ابنُ تيمية أيضًا:
[وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِمَّنْ يُحِبُّ اللهَ وَيُحِبُّهُ اللَهُ ].(11)
وهنا يقرِّرُ ابنُ تيمية بما لا يدع مَجَالًا للشَّكِّ أَبَدًا أنَّ عليَّ بنَ أبي طالب رجل يُحِبُ اللهَ وَيُحِبُّهُ اللهُ!
فكيف يقرر أن عَلِيًّا يحب اللهَ ويحبه اللهُ، ثم يبغضه ويحقد عليه كما يزعم الخليليُ زُورًا وكذبًا؟!
وأرجو أن يُلَاحِظَ القارئُ الكريم أننا ننقل هذا الكلامَ من نفس الكتاب الذي يستدل منه الخليلي بفهمه الأعوج في فريته على شيخ الإسلام ابن تيمية !
ولو ظللنا ننقل كلامَ ابنِ تيميّة عن محبته وموالاته لعليِّ بن أبي طالب لما انتهينا!
وأختمُ هذا الْوَجْهَ بنقل ابن تيمية اعتقادَ أَهْلِ السُّنَّةِ في مَحَبَّةِ وَمُوَالَاةِ عَلِيِّ بن أبي طالب، فيقول:
[ وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُحِبُّونَهُ وَيَتَوَلَّوْنَهُ، وَيَشْهَدُونَ بِأَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ ].(12)
إذا بحسب ما نقلناه فابنُ تيمية أبعدُ الناس عن فرية الحقد على عليِّ بن أبي طالب.
وبهذا يثبت للقارئ الكريم أنَّ قول الخليلي عن ابن تيمية محضُ افْتِرَاءٍ وَكَذِبٍ رَخِيصٍ !
ثالثًا:
زَعْمُ الخليليِّ أن ابْنَ تيميّة شَبَّهَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ بفرعون زَعْمٌ باطل مُضْحِكٌ !!
وأقلُّ ما يُقال في هذا الكلامُ إنَّهُ كَذِبٌ صريح ممجوج مفضوح!
ونحن هنا مضطرون لنقل كلام ابن تيمية مَرَّةً أخرى، وبيان منهجه في كتاب “منهاج السنة النبوية” حَتَّى يَتَّضِحَ للقارئ حقيقةُ الأمر!
/ قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية:
[ثُمَّ يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ: لَوْ قَالَتْ لَكُمُ النَّوَاصِبُ: عَلِيٌّ قَدِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ: وَقَاتَلَهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى رِيَاسَتِهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» “. وَقَالَ: ” «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» ” . فَيَكُونُ عَلِيٌّ كَافِرًا لِذَلِكَ – لَمْ تَكُنْ حُجَّتُكُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِهِمْ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا صَحِيحَةٌ.
وَأَيْضًا فَيَقُولُونَ: قَتْلُ النُّفُوسِ فَسَادٌ، فَمَنْ قَتَلَ النُّفُوسَ عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُرِيدًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ. وَهَذَا حَالُ فِرْعَوْنَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} سُورَةُ الْقَصَصِ فَمَنْ أَرَادَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ].
وبحسب الكلمات التي وضعتُ تحتها خَطًّا ؛ فشيخ الإسلام لم يقل إن هذا هو قوله الذي يعتقده في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بل يقول للرافضة لو أَلْزَمَكُمُ النَّوَاصِبُ بِكَذَا وكذا ؛ فلن تستطيعوا أن تجيبوا عليهم، لِأَنَّ قَاعِدَتَكُمُ التي تنطلقون منها لمهاجمة معاوية قاعدة باطلة، وفي حَالِ أَخْذِكُمْ بِهَذِهِ القاعدة فسيتمكَّنُ النواصِبُ من الطعن بها على عليِّ بن أبي طالب أيضًا.
ولكي نفهم الموضوع ببساطة وسهولة علينا أنْ نَعُودَ لِكَلَامِ الرافضي الحِلِّيِّ الذي كان شيخُ الإسلام ابن تيمية يرد عليه في هذه المسألة، قال ابن تيمية:
[ قالَ الرَّافِضِيُّ: ” وَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقِتَالِ أَهْلِ الْيَمَـامَةِ قَتَلَ مِنْهُمْ أَلْفًا وَمِائَتَيْ نَفَرٍ.(13) مَعَ تَظَاهُرِهِمْ بِالْإِسْلَامِ، وَقَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ صَبْرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَعَرَّسَ بِامْرَأَتِهِ، وَسَمَّوْا بَنِي حَنِيفَةَ أَهْلَ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الزَّكَاةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا إِمَامَتَهُ، وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ.
حَتَّى أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْا مَانِعَ الزَّكَاةِ مُرْتَدًّا، وَلَمْ يُسَمُّوا مَنِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَارَبَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُرْتَدًّا، مَعَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي، وَسِلْمُكَ سِلْمِي حَرْبُكَ، وَمُحَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ»].
وهناك يطعن الرافضيُّ الحليُّ في أبي بكر الصديق لأنه أرسلَ خالدَ بنَ الوليدِ لِقِتَال أهل اليمامة، وَلَمْ يَذْكُر الرافضيُّ أنَّ أَبَا بَكْرٍ إنما قاتلهم لأنه ارتدوا عن الإسلام وآمنوا بمسيلمة الكذَّاب.
إذًا فالرافضي ظلم أبا بكر حينما لم يذكر سبب قتاله لهم، فابن تيمية عامل الرافضي بنفس قاعدته حينما قال له: [لَوْ قَالَتْ لَكُمُ النَّوَاصِبُ: عَلِيٌّ قَدِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ: وَقَاتَلَهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى رِيَاسَتِهِ]. وقال ابن تيمية للرافضي: [ وَأَيْضًا فَيَقُولُونَ: قَتْلُ النُّفُوسِ فَسَادٌ، فَمَنْ قَتَلَ النُّفُوسَ عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُرِيدًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ. وَهَذَا حَالُ فِرْعَوْنَ ].
فابن تيميَّـة يقول للرافضي: إذا كان أبو بكر عندك ظَالِـمًـا قاتِلًا للمسلمين ؛ فعلى قاعدتك يكون علي بن أبي طالب أيضًا مِثْلَه!
وهذا يسمى في باب المناظرات بـ إلزام الخصم بكلامه وقواعده.
ولم يكن ابن تيمية يريد الانتقاص من علي بن أبي طالب عليه السلام على الإطلاق، لأنه صرح في مواضع كثيره بمحبته وموالاته، ودافع عنه ضد الخوارج من أهل النهروان وغيرهم !!
رابعًا:
وهذا بيانٌ لمنهج شيخ الإسلام ابنِ تيميَّةَ في هذا الكتاب:
ملخص منهج وطريقة شيخ الإسلام في كتابه “منهاج السنة النبوية” في هذا الباب – كما وضحت الأن – أنه يريد أن يقول للرافضة ما معناه أنكم إذا طعنتم في خلافة أبي بكر وعمر بشيء فإن القاعدة التي تنطلقون منها يستطيع أن ينطلق منها النواصب فيطعنوا في علي بن أبي طالب.
فإذا نفيتم عن أبي بكر وعمر فَضِيلَةً من الفضائل وقلتُم إنها لا تثبت عنهما، لكان ذلك إنكارًا منكم لِفَضْلِ عليِّ بن أبي طالب أيضًا، فَإِنَّ الطَّرِيقَةَ التي ثبتت بها فَضَائِلُ عليٍّ بن أبي طالب هي نفسُ الطريقة التي ثَبَتَتْ بها فَضَائِلُ أبي بكر وعمر، فإنْ أَنْكَرْتُمْ فَضَائِلَ أبي بكر وعمر لَزِمَكُمْ أَنْ تُنْكِرُوا فَضَائِلَ عليٍّ بن أبي طالب أيضًا.
ويقول أيضًا للرافضة: إذا طعنتم في أبي بكر وعمر بشيءٍ ما، وَثَبَتَ عن عليِّ بن أبي طالب نَفْسُ هذا الشيء، فإنكم بِطَعْنِكُم في أبي بكر وعمر طعنتم أيضا في علي بن أبي طالب لاتفاقهم على نفس الفعل !
وهذا مثال واضح لمنهج ابن تيمية في كتابه منهاج السُّنَّة عن النصارى والرافضة، فيقول:
[ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَغْلُونَ فِيهِ غُلُوَّ النَّصَارَى، وَلَا يَجْفُونَ جَفَاءَ الْيَهُودِ. وَالنَّصَارَى تَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَتُرِيدُ أَنْ تُفَضِّلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، بَلْ تُفَضِّلَ الْحَوَارِيِّينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ، كَمَا تُرِيدُ الرَّوَافِضُ أَنْ تُفَضِّلَ مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَالْمُسْلِمُ إِذَا نَاظَرَ النَّصْرَانِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ فِي عِيسَى إِلَّا الْحَقَّ، لَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ جَهْلَ النَّصْرَانِيِّ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ، فَقَدِّرِ الْمُنَاظَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِيِّ; فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْ شُبْهَةِ الْيَهُودِيِّ إِلَّا بِمَا يُجِيبُ بِهِ الْمُسْلِمُ ; فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا كَانَ مُنْقَطِعًا مَعَ الْيَهُودِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُمِرَ بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ قَدَحَ فِي نُبُوَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا إِلَّا قَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ فِي الْمَسِيحِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَيِّنَاتِ لِمُحَمَّدٍ أَعْظَمُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ لِلْمَسِيحِ، وَبُعْدَ أَمْرِ مُحَمَّدٍ عَنِ الشُّبْهَةِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْمَسِيحِ عَنْ الشُّبْهَةِ، فَإِنَّ جَازَ الْقَدْحُ فِيمَا دَلِيلُهُ أَعْظَمُ وَشُبْهَتُهُ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ، فَالْقَدْحُ فِيمَا دُونَهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ فِي الْمَسِيحِ بَاطِلًا، فَالْقَدْحُ فِي مُحَمَّدٍ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، فَإِنَّهُ إِذَا بَطَلَتِ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ، فَالضَّعِيفَةُ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الْحُجَّةُ الَّتِي غَيْرُهَا أَقْوَى مِنْهَا فَالْقَوِيَّةُ أَوْلَى بِالثَّبَاتِ].(14)
وهذا سياقُ كلامِ ابنِ تيميةَ الذي اجتزأ الخليليُ منه للتشنيع عليه:
وقال ابنُ تيمية وهو يردُّ على الرافضيِّ ابنِ المطهّر الحِلِّيِّ:
[قَالَ الرَّافِضِيُّ: سَمَّوْا (الصحابة) مَانِعَ الزَّكَاةِ مُرْتَدًّا، وَلَمْ يُسَمُّوا مَنِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَارَبَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُرْتَدًّا، مَعَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي، وَسِلْمُكَ سِلْمِي حَرْبُكَ، وَمُحَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ].
إذًا فهذا الرافضي يريد أن يقول لأهل السُّنَّة: كيف تُسَمُّونَ مانعي الزكاة مرتدين، ولم تُسمُّوا معاويةَ مرتدًا مع أن معاوية حَارَبَ المسلمين ، وحارب عليَّ بن أبي طالب في معركة صفين ، ومع ذلك لم يسموا معاوية مرتدًا، مع أنهم سمعوا النَّصَّ الذي قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعلي بن
أبي طالب: “يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي، وَسِلْمُكَ سِلْمِي حَرْبُكَ”].
وابن تيمية رَدَّ على هذا الرافضيِّ بما يُعْجِزُهُ ويقطع حُجَّتَهُ!
فكان مِنْ جواب ابن تيمية عليه – بعدما بَيَّنَ له كَذِبَ الروايةِ وغَلَطَهُ في الاستدلال بها وأوضح سوء فَهْمِه للنصوص – أنه قال ما معناه للرافضي: بحسب هذه الطريقة في الاستدلال؛ إذا قام النواصب بتوجيه نفس الاتهام لكم عن شخص علي بن أبي طالب لما استطعتم أن تردوا عليهم، لِأَنَّ القواعد الباطلة التي ينطلق منها الرافضي تدين عليَّ بن أبي طالب، فلو قالت النواصب للرافضة: أنتم تنكرون على معاوية استحلاله لدماء المسلمين كما تقولون فعليُّ بن أبي طالب أيضا اسْتَحَلَّ قِتَالَ المسلمين على خِلَافِتِهِ، إذْ لا يوجد نصٌّ قرآنيٌّ ولا حديثٌ نبويٌّ يأمر فيه النبيُ صلى الله عليه وسلم عليًّا بِقِتَال أهل الجمل وصِفِّين، فاتِّهَامُكُم لمعاوية يُعَدُّ اتهامًا لعليِّ بن أبي طالبٍ أيضًا سَيْرًا على نفس قاعدتكم.
قال ابن تيمية: [فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة].
فهل ابن تيمية يصف عليَّ بنَ أبي طالبٍ بشيء من هذا أَصْلًا ؟!
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية:
[ وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آخِرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ].(15)
فكيف يصف شيخ الإسلام أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه بأنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين وهو يشبهه في نفس الوقت بفرعون ؟! هل يجتمع هذان القولان في ذهن رجل عاقل سليم؟!
فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
خامسًا:
نحن كمسلمين لا نرضى أَنْ يُسَبَّ أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام والرضوان.
وهو أفضل عندنا من ابن تيمية وأمثاله من العلماء بلا خلاف أو جِدَال!!
ولكننا في ذات الوقت نقول: إذا كان الخليلي يرى أن ابن تيمية نال من عليِّ بن أبي طالب ، فلماذا يسمح الخليلي بطباعة الكتب التي تسب علي بن أبي طالب وتنال منه وتحقد عليه؟!!!
فهذا إمام الأباضية أبو سعيد الْكُدَمِيُّ يقول:
[ ثم إن علي بن أبي طالب استخلف على الناس ، فنقض عهد الله ، وحكم في الدار غير حكم كتاب الله ، وقتل المسلمين ، وسار بالجور في أهل رعيته ، فعلى هذا الذي قد صحت منه سعادة علي بن أبي طالب ، أن يتولى لله علي بن أبي طالب ، على سفكه لدماء المسلمين ، وعلى تحكيمه في الدماء غيرَ حُكْمِ كِتَاب الله ، وسيرته القبيحة ، ولا يحل له الشك في ولايته ، وعليه أن يبرأ لله من باطله ، ومن سفك دمه إن قدر على ذلك].(16)
فهل كانت سيرة علي بن أبي طالب قبيحة ؟! وإذا كان الجواب بالنفي؛ فلماذا يتم طباعة الكتب التي تحتوي سب علي بن أبي طالب وشتمه ؟!
ويقول شيخ الأباضية سالم السيابي:
[كان علي بن أبي طالب من علماء الصحابة و عبادها ، إلا أنَّ حبه الخلافة أوقعه في ما وقع فيه من بلائها، فلم يهتدي لسياستها، فإنَّه لما مات النبي صلى الله عليه و سلم و آله ما كان يرى لها غيره، وكان المسلمون لا يرونه لها، فلما تولاها أبو بكر تَبَرَّمَ وَدَخَلَ في نفسه ما دخل من التأثير، حتى إذا اسْتَخْلَفَ أبو بكر عُمَرَ بن الخطاب بَقِيَ في نَفْسِ عَلِيٍّ أنها فَلْتَةٌ وسترجع إليه، فكان الأمر على خِلَاف ما ظَنَّ ، فزاد تَبَرُّمُهُ وتَشَكِّيهِ].(17)
وفي النهاية أنصح الخليليَّ مفتي الأباضيةِ بهذه النصيحة:
/ يقول الأباضيُّ ناصر المسقري:
[ إنَّ التسرعَ والاندفاعَ في إصدار الأحكام دون رَوِيَّةٍ دون تَحَرٍّ للحقيقة ولا صَبْرٍ في الْبَحْثِ عنها، بل الاكتفاءُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ يُوقِعُ في أَخْطَاءٍ كَثِيرَةٍ ! والاكتفاء ببادئ الرأي سِمَةُ الْعَامَّةِ وَالدَّهْمَاءِ الذين تحركهم الْعَوَاطِفُ الآنِيَّةُ وتوجههم الانفعالاتُ غيرُ الواعية وتتحكمُ بهم الغوغائيةُ ويشغلهم عادةً أصحابُ المصالح والأهواء. ولذلك نجد أن أكثر الأفكار المسيطرة عليهم التي تتحكم بها تعميمات باطلة ومبادئ لا تعتمد على حق، وعقائد لا تستند إلى براهين ولا أدلة كافية للإقناع، بل عواطف لا قيمة لها في ميزان الفكر السليم ولا في ميزان الواقع التجريبي ].(18)
/ يقول الأباضيُّ علي الحجري في مقدمة كتابه:
[فَعَلَى الْكُتَّاب الذين لا يَرْضَونَ إلا بإثارة أَخْبَارِ تِلْكَ الْفِتَنِ في أوساط الأجيال المسلمة أَنْ يفهموا مسئولياتِهم ويتحققوا من صِحَّة الْأَخْبَار التي يبنون عليها أحكامهم].(19)
وقد قيل:
فَدَعْ عَنْكَ الْكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا **** وَلَوْ لَطَّخْتَ وَجْهَكَ بِالْـمِدَادِ
….
فإلى دَيَّان يوم الدين نمضي ** وعند الله تجتمع الخصوم.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
………
صباح الأربعاء يوم 23 من ربيع الثاني لعام 1439 هجريا
الموافق 10 يناير لعام 1018 ميلاديا
محاولة يائسة لإباحة الموسيقى والرد عليها
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
حاول أحدهم أن يرد على الحلقة الأولى من سلسلة “ رفع البلاء بثبوت حُرْمَةِ المُوسِيقى والغِنَاء ” التي كُشِفَتْ فيها أكاذيب عدنان إبراهيم وتدجيله على مشاهديه ، ولقد رددتُ على هذا الشخص تحت تعليقه على موقع يوتيوب رَدًّا مكتوبًا ، ثم رأيت أن أنقل هذا الرد هنا لَعَلَّه يكون نَافِعًا لبعض إخواني وأخواتي.
وقد قسّمْتُ كلامَه إلى نِقاط ، حتى يركز القارئ الكريم في كل نقطة على حِدَةٍ ، فقلت مستعينًا بالله:
أولا:
تقول: [ اول حديث بخاري من طريق عطية بن قيس كلابي وهو صالح للشواهد فقط لا يؤخذ به في تفرد برواية ].
فمن الذي قال إن هذا الحديث يصلح فقط للشواهد ؟! الإمام البخاري صحح الحديث واحتجَّ به !!
• قال الإمام البخاري:
[ ما أدخلت في الجامع إلا ما صَحَّ، وتركتُ من الصحاح لأجل الطول ]. تاريخ الإسلام للذهبي ج19 ص249.
فهذا نَصٌّ واضح من الإمام البخاري على تصحيح كل الروايات المسندة في كتابه، وهي على شرطه المعروف.
وعلماء الحديث غير البخاري صححوا هذا الحديث كذلك ، والكل يعلم هذا:
• قال الإمام الذهبي:
[ فما في “الكتابين ” بحمد الله رجلٌ احتَجَّ به البخاريُّ أو مسلمٌ في الأصولِ ورواياتُه ضعيفة، بل حَسَنةٌ أو صحيحة ].
الموقظة في علم مصطلح الحديث ص80.
• قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:
[ تقرر أَنه الْتزم فِيهِ الصِّحَّة ، وَأَنه لَا يُورد فِيهِ إِلَّا حَدِيثا صَحِيحا. هَذَا أصل مَوْضُوعه وَهُوَ مُسْتَفَاد من تَسْمِيَته إِيَّاه الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند من حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسننه وايامه وَمِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنهُ من رِوَايَة الْأَئِمَّة عَنهُ صَرِيحًا ].
فتح الباري لابن حجر ج1 ص11 ، ط طيبة – الرياض.
• قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح:
[ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ ]. مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ص68.
• قال بدر الدين العيني:
[ والْحَدِيث صَحِيح وَإِن كَانَت صورته صُورَة التَّعْلِيق، وَقد تقرر عِنْد الْحفاظ أَن الَّذِي يَأْتِي بِهِ البُخَارِيّ من التَّعَالِيق كلهَا بِصِيغَة الْجَزْم يكون صَحِيحا إِلَى من علقه عَنهُ، وَلَو لم يكن من شيوخه].
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 175)
ثانيا:
تقول: [ وبخاري لفظ حديث عن هشام بن عمار اي لانعرف اذا كان بخاري قد سمعه من هشام بن عمار فعلا او لا لانه لو سمعه مباشر لقال حدثنا ].
ومن الذي قال إن البخاري ينبغي أن يقول “حدثنا وأخبرنا” في كل رواية ؟!
• قال الحافظ ابن حجر :
[ وقد تقرر عند الحُفَّاظِ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحًا إلى من عَلَّقَهُ عنه ولو لم يكن من شيوخه ، لكن إذا وُجِدَ الحديثُ المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولًا إلى من عَلَّقَهُ بشرط الصحة أزال الإشكال ].
وهذا قد حدث بالفعل في رواية ابن حبان في صحيحه ، قال: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّانَ سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ». صحيح ابن حبان ج15 ص154 ، رقم 6754. وبهذه الرواية فإنَّ كلامَ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ العسقلاني متحققٌ في رواية تحريم المعازف، فقد رُوِيَتْ موصولةً عند ابن حبان، فلماذا تنكرون الرواية ؟!
ثالثًا:
تقول: [ اريد سند بإسم وعمر جاريتان يثبت انهما صغيرتين فمعني جاريتان في معجم نساء وكلام الذي استدلات به صراحة ليس بحجة كونهما طفلتين ].
وهل تظن أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك امرأتينِ شابتينِ تغنيانِ أمامه ؟!!
وإحدى هاتين الجاريتين اسمها ” حمامة “، وقد روى ذلك ابن أبي الدنيا بسند صحيح في كتاب العيدين. كما نقله ابن حجر في الفتح وغيره، والثانية لم يُذْكَرْ اسمها !
وبالمناسبة ، أنا لم أجد عالِمًـا قال إنهما امرأتانِ أو كبيرتان ! وإنما نَصَّ بعضُ العلماء على أنهما صغيرتانِ !!
رابعًا:
تقول: [ قولك ليس بمغنيتين لا ارى اي مشكلة في هذا ايضا وان كانت غير مغنيتين مهم انهما قام بفعل وهو غناء ولايمكنك صرفه مهما حاولت فعل غناء وقع من ظاهر راوية ].
هذا ليس قولي أنا ، وإنما هو قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وهو دليل على عدم امتهان الغناء والموسيقى أيام الصحابة كما يحدث اليوم !!
خامسا:
تقول: [ هل يجوز حرام في عيد ؟ ].
أقول لك : وهل يجوز شرب الخمر أو أكل الميتة ؟! ستقول نعم يجوز ذلك للضرورة .
فأقول إنَّ الذي يجيز ويمنع ويحرِّم ويحلِّل هو الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
فالفعل محرم ، وتحريمه مخصوص بغير وقت العيد.
سادسًا:
تقول: [ فرضنا انهما صغيرتين مع انهما ليستا كذلك هل صغير يربى على حرام ؟ اذا رأيت طفلك يقوم بحرام تؤدبه وتنصحه ام تقول دعه انه صغير ؟ إذا كان هذا تصرفك فما بلك برسول أمة ].
وهنا حضرتك جزمت دون دليل أن الجاريتينِ ليستا صغيرتينِ !! مع أنك كنت تطالبني بسندٍ يقول إنهما صغيرتان !! فلماذا لم تطلب لنفسك رواية أو سندًا يقول إنهما كبيرتانِ ؟! لماذا ، بارك الله فيك تُلْزِم غيرك بما لا تُلْزِم به نفسك؟!
وبخصوص سؤالك حول تربية الطفل على الحرام ؛فأنا سأفعل نفس ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، سأمنع ولدي من الغناء في غير وقت الأعياد، وأمنعه من الموسيقى مطلقًا.
وكل كلامك الذي بعده يسير على نفس المنوال !!
والخلاصة في هذه النقطة أننا نجيز ما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت محدد ، ونمنعه كما منعه الرسول صلى الله عليه وسلم في بقية الأوقات الأخرى !
سابعًا:
تقول: [ ام عن اجماع فإبن حزم وغيره من ائمة اعلام يرون بجوزا معازف وحتى من معاصرين من امثال صالح مغامسي والقرضوي ارى ان حجتك في غاية ضعف مع احترامي لك صديقي ارجو ان تفيدني اذا كان كلامي خطأ برواية تحرم غناء ربما لم اسمع انا بها … ].
أنا أعذرك في كلامك هذا ، لأنك لا تعرف معنى الإجماع أَصْلًا ، فالإجماع إذا انعقد لم يَجُزْ أن يخرمه أحد بعد انعقاده.
والإجماع هو: [ اتفاقُ مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي ].
والصحابة مجتهدون ، ولم يختلفوا على حكم المعازف، بل اتفقوا على حرمته ، وكل ما يُرْوَى عنهم في إباحته غير صحيح السند إليهم.
فالإجماع منعقد على حرمة الموسيقى في زمن الصحابة وأيضًا في زمن التابعين.
ونحن لسنا أعْلمَ من الصحابة رضي الله عنهم. بل قد أمرنا الله باتباعهم لأنهم أعلم منا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ابن حزم فهو إمام عَلَمٌ رحمه الله وغفر لنا وله ، ولكنه أخطأ في هذه المسألة ، والذين حكموا بِخَطَئِهِ هم الذين أعلم منه بعلم الحديث الشريف.
ولكن هل سترضى بقول ابن حزم في بقية المسائل مثل حد الردة وحد الرجم وغيرهما ؟!
أم تأخذ بقوله لأنك تريد سَمَاعَ الْغِنَاء ؟!
وأما المغامسي فهو رجل داعية فاضل غفر لنا وله ، وهو ليس من العلماء الراسخين في العلم.
وأما الشيخ القرضاوي غفر الله لنا وله فهو يسير خلف ابن حزم !!
ولاشك أن ابن حزم مخطئ في اجتهاده ، فإنَّ كُلَّ علماءِ الحديثِ يصححون حديث تحريم المعازف في صحيح البخاري.
وعدنان إبراهيم بنفسه في دروس مصطلح الحديث المحاضرة الخامسة الدقيقة 17 ث 52 يقول:
[ إن ظاهر مذهب الشيخين البخاري ومسلم أنهما لا يريانِ جوازَ العمل بالضعيف ، وأنهما التزما ألا يذكرا في كتابيهما إلا الصحيح فقط ، وابن حزم صرّح بهذا في كتاب الإحكام في أصول الأحكام ].
فرواية تحريم الغناء في البخاري صحيحة بدون شك حسب قواعد علم الحديث الشريف.
وأخيرا أقول: إذا أردتم أن تستمعوا الغناء والموسيقى فلا تتعدوا حدودكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزعموا أنه أباحه وأجازه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم بريء من هذا الإفك والكذب.
هدانا الله وإياكم لما يحب ويرضى ،،،،