أرشيف المدونة
فرية تشبيه السيدة عائشة معاوية بفرعون مصر؟
قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
سلسلة الدليل والبرهان في تبرئة معاوية بن أبي سفيان
فرية تشبيه عائشة معاوية بفرعون مصر
لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات الشيعة الرافضة حول أمير المؤمنين الخليفة الراشد الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
رأيت أحد الشيعة الرافضة يدَّعِي كذباً وزوراً أنَّ أمَّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها شَبَّهَتْ معاوية بفرعون مصر.!
واستدل بما ذكره الإمامُ الذهبي:
قَالَ الإمامُ الذهبي:
{ أَيُّوْبُ بنُ جَابِرٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَلاَ تَعْجَبِيْنَ لِرَجُلٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ يُنَازِعُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الخِلاَفَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا يُعْجَبُ؟ هُوَ سُلْطَانُ اللهِ يُؤْتِيْهِ البَرَّ وَالفَاجِرَ، وَقَدْ مَلَكَ فِرْعَوْنُ مِصْرَ أَرْبَعَ مائَةِ سَنَةٍ }.(1)
وللرد على هذا الافتراء أقول:
أولاً: استدلال الرافضي غير صحيح:
كتاب سير أعلام النبلاء ينقل عن كتب المتقدمين، وليس هو نفسه كتاب أسانيد كي يُستدل به على رواية من الروايات، وإنما يكون المرجع هو كُتُب الأمهات التي تنقل كل شيء بالأسانيد المتصلة.
فهذه الرواية رواها الْقَاسِمُ بْنُ مُوسَى الأشيب، ولقد بحثتُ عن الكتاب فلمْ أجدْه مطبوعًا مطلقًا.
قالالْقَاسِمُ بْنُ مُوسَى الأشيب:
{حَدَّثَنَا عَبْدَةُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: تَعْجَبِينَ لِرَجُلٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ يُنَازِعُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الْخِلافَةِ؟ قَالَتْ: ” وَمَا يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ اللَّهُ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَقَدْ مَلَكَ فِرْعَوْنُ أَهْلَ مِصْرَ أَرْبَعِ مِائَةِ سَنَةٍ }.(2)
ثانياً: الرواية غير صحيحة:
فإن سَنَدَهَا ضعيف.
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً فقط ، ويجب أن تنطبق عليه شروط خمس وهي:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- انتفاء الشذوذ.
5- انتفاء العلة.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: { أَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا ، وَلا مُعَلّلًا}.(3)
فالرواية تخالف الشرط الثاني الثالث من شروط صحة الحديث الصحيح.
علل الرواية:
الْعِلَّة الأولى: أيوب بن جابر الحنفي.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني:
{ أيوب بن جابر…ضعيف }.(4)
الْعِلَّة الثانية:
مُؤَلِّف الكتاب مجهول الحال لم يَذكرْ فيه العلمـاءُ جَرحًا ولا تعديلًا !
قال الإمام الخطيب البغدادي:
{ القاسم بْن موسى بْن الحسن بْن موسى، والد القاضي أبي عمران موسى بْن القاسم بْن الأشيب.
حدث عَنِ الحسن بْن عرفة، وإسماعيل بْن زياد الأبلي.
روى عنه ابنه أبو عمران، وأبو الميمون بْن راشد الدمشقي }.(5)
ورواية المجهول عندنا لا نحتج بها.
قال الإمام أبو عمرو ابنُ الصلاح:
{ الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَـاهِيرِ }.(6)
قال الإمام ابْنُ كَثِيرٍ :
{ فَأَمّا الْـمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ من سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا ممن لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ }.(7)
الْعِلَّة الثالثة:
عنعنة أبي إسحاق السبيعي
وهو ثقة ولكنه مدلس, وقد ذكره الإمام السيوطي في كتابه أسماء المدلسين.(8)
فما حكم رواية الـمُدَلِّس ؟
رواية المدلس لا يقبلها علماءُ الحديث إلا إذا صَرَّحَ فيها بالسمـاع من شيخه بألفاظ صريحة.
قال الإمامُ أبو عمرو بن الصلاح:
{ والـمُدَلِّسُ لَا يُحْتَجُّ مِنْ حَدِيْثِهِ إِلَّا بِمَـا قَالَ فِيهِ حَدَّثَنَا أَوْ غَيره مِنَ الْأَلْفَاظِ الْـمُبَيِّنَةِ لِسَمَـاعِهِ }.(9)
ثالثاً: كتب أخرى تذكر الرواية:
هذه الرواية ذكرها الحافظ ابن عساكر في كتاب تاريخ مدينة دمشق ولكنها من طريق القاسم بن موسى الأشيب.
وفيها طبعا نفس العِلَل الثلاثة التي ذكرناها من قبل.
كما رواها أبو داود الطيالسي بسنده قال: ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: وَذَكَرَهَا.
وهذا سند ضعيف فيها العلتان الأولة والثانية من رواية ابن عساكر.
1- ضعف أيوب بن جابر.
2- عنعنة أبي إسحاق السبيعي.
فالروايات كلها في هذه القصة ضعيفة ولا تصح عن السيدة عائشة أو الأسود بن يزيد.
وعليه فلا يُحتج بها علينا.
رابعاً: تحذير للمسلمين من مخالفة أمر الرسول:
أقول: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهي عن تنقص وسب أصحابه.!
روى الإمام البخاري في صحيحه:
{عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ }.(10)
فهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم يا أمة محمد ينهاكم عن سب أصحابه. فماذا أنتم فاعلون ؟
بعض شباب المسلمين أصبح بفعل عدنان إبراهيم وأمثاله دائمَ السَّبِّ والتطاول على الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعلى غيره من الصحابة.!
ألم يتدبروا فيمـا يقولون قبل أن يقال ؟ ألم يكونوا يعلمون أن عليهم أن يتحققوا من صحة السند قبل أن يتطاولوا على صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ألا ينبغي أن يتفكر المرء ولو قليلاً فيما ينقله من روايات مسيئة للصحب الكرام قبل نقلها ؟
لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم وجود الصحابة في الأمة دليل على خيريتها.
روى الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه:
{ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي }.(9)
روى الإمام مسلم:
{ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» }.(11)
فاللهَ اللهَ في الصحابة يا مسلمون، واتقوا الله في أنفسكم، واعلموا أنكم بين يدي ربكم موقوفون ، وهو سائلكم عما تقولون في أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، فَأَعِدُّوا للسؤال جواباً.
وعند الله تجتمع الخصوم.
مراجع البحـث:
(1) سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ج3 ص143 ط مؤسسة الرسالة – بيروت، ت: شعيب الأرنؤُوط.
(2) جزء القاسم بن موسى الأشيب، ص12 ح41 ، نسخة إلكترونية من برنامج جوامع الكلم، وليست موافقة للمطبوع.
(3) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان، دار الفكر – سوريا، ت: نور الدين عنتر.
(4) تقريب التهذيب للإمام ابن حجر العسقلاني ص57 ت508 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت. ت: عادل مرشد.
(5) تاريخ بغداد للإمام الخطيب البغدادي ج14 ص436 ، ط دار الغرب الإسلامي – بيروت، ت: د/ بشار عواد معروف.
(6) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر –سوريا، ت: نور الدين عنتر.
(7) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للإمام ابن كثير ص309، تأليف أحمد شاكر ، ط دار الكتب العلمية –بيروت.
(8) أسماء المدلسين للإمام جلال الدين السيوطي ص71، ط دار الجيل – بيروت، ت: محمود محمد محمود حسن نصار.
(9) صيانة صحيح مسلم للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص227، ط دار الغرب الإسلامي – بيروت، ت: موفق عبد الله عبد القادر.
(10) صحيح البخاري للإمام محمد ابن إسماعيل البخاري ص903 ح3673، ط دار بن كثير – بيروت.
(11) مصنف بن أبي شيبة للإمام أبي بكر بن أبي شيبة ج17 ص309 ط دار القبلة – جدة، مؤسسة علوم القرآن – دمشق.
(12) صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج ج4 ص1961 ، ط دار إحياء التراث العربي – بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
فرية السيدة عائشة تزيِّن جارية لتصيد شباب قريش !
قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
نسف أكاذيب النصارى والرافضة حول الصحابة الكرام
فرية السيدة عائشة تزين جارية لتصطاد شباب قريش !
لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى والرافضة حول أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
قال الروافض المجوس أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تشيع الفاحشة بين الناس.!!
وتلقف النصارى الضالون من الرافضة هذا الافتراء الذي لا يخرج إلا من إنسان سقيمٍ عقيمٍ
واستدلوا بما رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ قال:
{ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَمَّـارِ بْنِ عِمْرَانَ، رَجُلٍ مِنْ زَيْدِ اللَّهِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا شَوَّفَتْ جَارِيَةً وَطَافَتْ بِهَا وَقَالَتْ: «لَعَلَّنَا نُصِيبُ بِهَا بَعْضَ شَبَابِ قُرَيْشٍ»}.(1)
وللرد على هذا الافتراء أقول:
أولاً: الرواية غير صحيحة:
فالسندُ فيه امرأةٌ مجهولةٌ ورجلٌ مجهول.
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً فقط ، ويجب أن تنطبق عليه شروط خمس وهي:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- انتفاء الشذوذ.
5- انتفاء العلة.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:
{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلّلاً }.(2)
علل الرواية:
العِلَّة الأولى: عَمَّـار بْنُ عِمْرَانَ لا يَصِحُّ حَدِيثُه.
فهذا الرجل مجهول العين والحال.
قال الإمام ابن أبي حاتم: عمار بن عمران الزيدي.
{ من زيد الله، روى عن سعيد بن جبير، روى عنه العلاء بن عبد الكريم }.(3)
وكل ما نعرفه عنه أنه من قبيلة تُسَمَّى (زيد الله) فقط، ولكننا لا نعرف درجته من الثقة والضبط والإتقان.
العلة الثانية: المرأة التي تَرْوِي عن السيدة عائشة مجهولة العين والحال.
فَعَمَّـار بن عمْرَان هذا يقول (عن امرأة منهم) ونحن لا نعرف هذه المرأة وكذلك لا نعرف حالها من الثقة والضبط والإتقان.
ورواية الـمجهول عندنا مردودة غيرُ مقبولة.
قال الإمام أبو عمرو ابنُ الصلاح:
{الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَـاهِيرِ}.(4)
قال الإمام ابْنُ كَثِيرٍ:
{فَأَمّا الْـمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ من سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا ممن لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ}.(5)
وعليه فالرواية سَاقِطَةُ الإِسْنَاد لا يـُحْتَجُّ بِهَا.لأنها فقدت الشرط الثاني من شروط صحة الرواية.
ثانياً: في حالة صحة الرواية فلها مَـحْمَلٌ حَسَنٌ تُحْمَلُ عليه:
أقول أن هذه الرواية على فرض صحتها فلها مَحْمَلٌ حَسَنٌ تُحْمَلُ عليه وليس فيها هذا المعنى الذي قصده الرافضي أو النصراني، فلقد ذكرها ابن أبي شيبة في مصنفه تحت “باب تزيين السلعة” ومعلوم أنَّ الجارية (الْأَمَة) يجوز بيعُها.
وحُكْم بيع الإماء والعبيد موجود في كتاب النصارى وفي كتب الشيعة.
بل في كتاب النصارى أنَّ الرجل يستطيع أن يبيع ابنته نفسها (كَأَمَةٍ) أي كَجَارِيَةٍ.!
{ وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ أَمَةً لاَ تَخْرُجُ كَمـَا يَخْرُجُ الْعَبِيدُ. إِنْ قَبُحَتْ فِي عَيْنَيْ سَيِّدِهَا الَّذِي خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ يَدَعُهَا تُفَكُّ. وَلَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يَبِيعَهَا لِقَوْمٍ أَجَانِبَ لِغَدْرِهِ بِهَا }.(6)
فلا ينظر النصراني لكتابه الذي يبيح للرجل أن يبيع ابنته, ويأتينا متعجباً من بيع النساء المسبية في الحروب !!
قليل من العقل يا هؤلاء. ورأيتُ تعليقاً أعجبني للأخ “كاوا محمد” من ملتقى أهل الحديث يقول فيه:
( الرواية تتكلم عن شباب قريش، ومعروف أن شباب قريش بمكة، والسيدة عائشة كانت تعيش بالمدينة، وبالتالي واضع هذه الرواية لم ينتبه لذلك )
فجزاه الله خيرا ،،
ثالثاً: فَهْمُ النصراني والرافضي للرواية يخالف الصحيح:
أقول أن فهم النصارى والرافضة لهذه الرواية يخالف تمامًا ـما اتفقت علىه الأمة الإسلامية.
فَأُمُّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها هي التي قالتْ ما رواه البخاري في صحيحه عنها.
روى الإمامُ البُخَارِيُّ:
{ عن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ }.(7)
فبعد أن وصفت أم المؤمنين رضي الله عنها نكاح الجاهلية, قالت: { فَلَمَّـا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ }.
فهي ترى وتعرف وتؤمن أنَّ ما فهمه الرافضة والنصارى من الرواية هو الزنا الصريح الذي حَرَّمَهُ اللهُ ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فهل بعد هذا الدليل الواضح المبين يستطيع أحدهم أن يغمز ويلمز أم المؤمنين رضي الله عنها ؟
سؤال للشيعة الرافضة الذين يرمون السيدة عائشة بالفاحشة:
الله عز وجل يقول:
(الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (سورة النور 3)
وهذا يعني أن المرأة الزانية لا ينكحها إلا رجل زان أو مشرك.
فهل تتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا أو الشرك ؟
إن قلتم نعم, فقد كفرتم.
إن قلتم لا وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه التهم, فيلزمكم أن تقولوا ببراءة السيدة عائشة مما برأتم منه الرسول صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: من فمك أُدينك:
ألمْ يَنظرْ هذا النصراني إلى ما في كتبه ؟ ألمْ يَرَ حجمَ التحريفات والتخريفات التي في كتابه ؟
وهل مَنْ كان بيتُه من زجاج يقذف الناس بالحجارة ؟
تعالوا نفتح كتاب النصارى ونرى كيف يُعَلِّمُ النساءَ ممارسة الْبِغَاءِ صراحةً وكيفية اصطياد الرجال وإيقاعهن في الزنا !!
فلقد ذكر كتابُهم قصةً غريبةً مريبةً عَنْ فَنِّ إيقاع النساء للرجال في الزنا:
جاء في كتاب النصارى:
{ 11فَقَالَ يَهُوذَا لِثَامَارَ كَنَّتِهِ: «اقْعُدِي أَرْمَلَةً فِي بَيْتِ أَبِيكِ حَتَّى يَكْبُرَ شِيلَةُ ابْنِي». لأَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّهُ يَمُوتُ هُوَ أَيْضاً كَأَخَوَيْهِ». فَمَضَتْ ثَامَارُ وَقَعَدَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا. 12 وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ مَاتَتِ ابْنَةُ شُوعٍ امْرَأَةُ يَهُوذَا. ثُمَّ تَعَزَّى يَهُوذَا فَصَعِدَ إِلَى جُزَّازِ غَنَمِهِ إِلَى تِمْنَةَ هُوَ وَحِيرَةُ صَاحِبُهُ الْعَدُلَّامِيُّ. 13فَأُخْبِرَتْ ثَامَارُ: «هُوَذَا حَمُوكِ صَاعِدٌ إِلَى تِمْنَةَ لِيَجُزَّ غَنَمَهُ». 14فَخَلَعَتْ عَنْهَا ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا وَتَغَطَّتْ بِبُرْقُعٍ وَتَلَفَّفَتْ وَجَلَسَتْ فِي مَدْخَلِ عَيْنَايِمَ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ تِمْنَةَ لأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ شِيلَةَ قَدْ كَبِرَ وَهِيَ لَمْ تُعْطَ لَهُ زَوْجَةً. 15 فَنَظَرَهَا يَهُوذَا وَحَسِبَهَا زَانِيَةً لأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهَا. 16فَمَالَ إِلَيْهَا عَلَى الطَّرِيقِ وَقَالَ: «هَاتِي أَدْخُلْ عَلَيْكِ». لأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَنَّتُهُ. فَقَالَتْ: «مَاذَا تُعْطِينِي لِكَيْ تَدْخُلَ عَلَيَّ؟» 17فَقَالَ: «إِنِّي أُرْسِلُ جَدْيَ مِعْزَى مِنَ الْغَنَمِ». فَقَالَتْ: «هَلْ تُعْطِينِي رَهْناً حَتَّى تُرْسِلَهُ؟» 18فَقَالَ: «مَا الرَّهْنُ الَّذِي أُعْطِيكِ؟» فَقَالَتْ: «خَاتِمُكَ وَعِصَابَتُكَ وَعَصَاكَ الَّتِي فِي يَدِكَ». فَأَعْطَاهَا وَدَخَلَ عَلَيْهَا. فَحَبِلَتْ مِنْهُ.19ثُمَّ قَامَتْ وَمَضَتْ وَخَلَعَتْ عَنْهَا بُرْقُعَهَا وَلَبِسَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا. 20 فَأَرْسَلَ يَهُوذَا جَدْيَ الْمِعْزَى بِيَدِ صَاحِبِهِ الْعَدُلَّامِيِّ لِيَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَجِدْهَا. 21فَسَأَلَ أَهْلَ مَكَانِهَا: «أَيْنَ الزَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي عَيْنَايِمَ عَلَى الطَّرِيقِ؟» فَقَالُوا: «لَمْ تَكُنْ هَهُنَا زَانِيَةٌ». 22افَرَجَعَ إِلَى يَهُوذَا وَقَالَ: «لَمْ أَجِدْهَا. وَأَهْلُ الْمَكَانِ أَيْضاً قَالُوا: لَمْ تَكُنْ هَهُنَا زَانِيَةٌ». 23فَقَالَ يَهُوذَا: «لِتَأْخُذْ لِنَفْسِهَا لِئَلَّا نَصِيرَ إِهَانَةً. إِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ هَذَا الْجَدْيَ وَأَنْتَ لَمْ تَجِدْهَا». 24 وَلَمَّا كَانَ نَحْوُ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ أُخْبِرَ يَهُوذَا وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ زَنَتْ ثَامَارُ كَنَّتُكَ. وَهَا هِيَ حُبْلَى أَيْضاً مِنَ الزِّنَا». فَقَالَ يَهُوذَا: «أَخْرِجُوهَا فَتُحْرَقَ». 25أَمَّا هِيَ فَلَمَّا أُخْرِجَتْ أَرْسَلَتْ إِلَى حَمِيهَا قَائِلَةً: «مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي هَذِهِ لَهُ أَنَا حُبْلَى!» وَقَالَتْ: «حَقِّقْ لِمَنِ الْخَاتِمُ وَالْعِصَابَةُ وَالْعَصَا هَذِهِ». 26فَتَحَقَّقَهَا يَهُوذَا وَقَالَ: «هِيَ أَبَرُّ مِنِّي لأَنِّي لَمْ أُعْطِهَا لِشِيلَةَ ابْنِي» }.(8)
لستُ أريد أنْ أُعَلِّقُ على نصوص هذه القصة الغريبة الآن, فإنَّ لنا بإذن الله قريباً سلسلةً عن الدروس المستفادة من قصص زنا المحارم في كتاب النصارى.
وأما عن كُتُبِ الشِّيعة فَحَدِّثْ ولا حَرَج !!
قال المجلسي في بحار الأنوار:
{ عن فُضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن الحسن العطار قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج فقال: لا بأس به، قلت: فإنْ كان منه الولد ؟ قال: لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه }.(9)
مراجع البحـث:
(1) المُصَنَّف للإمام أبي بكر بن أبي شيبة ج11 ص429، ط دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن، ت: محمد عوامة.
(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ، دار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر.
(3) الجرح والتعديل للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم ج46 ص392، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(4) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر.
(5) الباعث الحثيث اختصار علوم شرح الحديث للإمام ابن كثير ص92، تأليف أحمد شاكر ، ط دار الكتب العلمية – بيروت.
(6) كتاب النصارى – العهد القديم – سفر الخروج فصل 21 عدد 7، ط دار الكتاب المقدس.
(7) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص1307 ح5127، ط دار بن كثير – بيروت.
(8) كتاب النصارى – العهد القديم – سفر التكوين فصل 38 أعداد من 11 : 26، ط دار الكتاب المقدس.
(9) بحار الأنوار للشيعي محمد باقر المجلسي ج103 ص326، ط دار إحياء التراث العربي – بيروت.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه
فرية قتل كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وتعذيبه
قناة مكافح الشبهات – أبو عمر الباحث
نسف أكاذيب النصارى والشيعة الروافض حول الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم
فرية قتل كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق
لتحميل البحث بصيغة pdf اضغط هنا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات النصارى حول رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا كيف تقولون عن نبيكم أنه رسولُ الرحمة وكتب التاريخ عندكم تقول أنه عذّب كنانةَ بنَ الربيع بن أبي الحقيق ثم قتله ؟!!
واستدلوا بما رواه الإمام الطبري في تاريخه قال:
{ حَدَّثَنَا ابْنُ حميد ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وَأُتِيَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ – وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النَّضِيرِ – فَسَأَلَهُ فَجَحَدَ أَنْ يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ برجل من يهود، فقال لرسول الله: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ كِنَانَةَ يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِكِنَانَةَ: أَرَأَيْتَ إِنْ وجدناه عندك ، أأقتلك؟ قال: نعم ، فأمر رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ، فَأُخْرِجَ مِنْهَا بَعْضُ كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ مَا بَقِيَ، فَأَبَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ، فَأَمَرَ به رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَقَالَ: عَذِّبْهُ حَتَّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ، فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدِهِ فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَحَاصَرَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمُ، الْوَطِيحَ وَالسَّلالِمَ، حَتَّى إِذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ حَازَ الأَمْوَالَ كُلَّهَا: الشِّقَّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ، وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إِلا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ }.(1)
وللرد على هذا الافتراء أقول:
أولا: الرواية غير صحيحة:
هذه الرواية لا تصح ولا تقوم بها الحُجة لأن في سندها راوياً متروكَ الحديثِ وهو محمد بن حميد الرازي و أيضا في سندها انقطاع.
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً حتى تنطبق عليه شروط قبول الرواية بقسميه الصحيح والحسن, ويجب أن تنطبق على الصحيح خمسة شروط وهي:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- انتفاء الشذوذ.
5- انتفاء العلة.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح:
{ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الّذِي يَتّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلّلاً }.(2)
ولو نظرنا في هذا السند الذي رُويت من خلاله هذه الرواية لوجدناه مخالفا للشرطين الأول والثاني وهما:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
فأما اتصال السند فغير متوفر لوجود الانقطاع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين محمد بن إسحاق.
وكذلك عدالة الرواة أيضا غير متوفرة في محمد بن حميد الرازي لأنه مُتّهَمٌ بالكذب.
وعليه فالرواية غير صحيحة ولا يُحتج بها علينا.
1- فأما محمد بن حميد الرازي:
فقال عنه الإمام الذهبي في السير:
· وَهُوَ مَعَ إِمَامَتِهِ مُنْكَرُ الحَدِيْثِ ، صَاحِبُ عَجَائِبَ.(3)
· وَأَمَّا البُخَارِيُّ ، فَقَالَ: فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ.
وقد يَحتج أحدُهم علينا ويقول أن الإمام أحمد بن حنبل أثنى على محمد بن حميد الرازي !
أقول ذكر الإمام الذهبي رداً لطيفاً على هذه المسألة فقال:
{ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: قُلْتُ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ:
لَوْ حَدَّثَ الأُسْتَاذُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ قَدْ أَحسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ.
قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ ، وَلَوْ عَرَفَه كَمَا عَرَفْنَاهُ ، لَمَا أَثْنَى عَلَيْهِ أَصْلاً. أهـ
وأقول أن أعلمَ الناسِ بالرجل هم أهل بلده ، ولقد قال أهل بلده عنه أنه كذاب }.(4)
قال الإمام ابن حبان:
{ قال أبو زُرعة الرازي ومحمد بن مسلم ابن وَارَة: صح عندنا أنه يكذب }.(5)
2- أما ابن إسحاق:
فأما ابن اسحاق فلم يدركِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وحديثه عنه مُعْضَل.
و الحديث المعضل أشدُّ ضعفاً من المرسل.!
والحديث المعضل هو ما سقط من إسناده راويان على التوالي.
فابن إسحاق تُوفي سنة 150 من الهجرة وكان مولده سنة 80 من الهجرة
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تُوفيَ في السنة الحادية عشرة من الهجرة
وهذا يعني أن هنا انقطاعاً ما يقرب من 70 سنة بين وفان النبي صلى الله عليه وسلم وبين ولادة محمد بن إسحاق.!
والانقطاع في السند عِلَّة تمنعنا من قبول الرواية .
ثانيا: محقق الكتاب حَكَمَ على الرواية بالضعف:
أقول أن الرجوع في كل علم من العلوم وكل فن من الفنون إلى علمائه وجهابذته .
وإذا عُدنا إليهم للحكم على هذه الرواية نجدهم يحكمون عليها بالضعف.
قال الشيخ محمد صبحي حسن حلاق:
{ إسناده إلى ابن إسحاق ضعيف ، وقد ذكره ابنُ إسحاق بلاغاً }.(6)
إسناد آخر للرواية:
قال الإمام ابن سعد في الطبقات:
أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَاضِي الْكُوفَةِ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا ظَهْرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم عَلَى خَيْبَرَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ لَيْسَ لَهُمْ بَيْضَاءُ وَلَا صَفْرَاءُ، فَأُتِيَ بِكِنَانَةِ وَالرَّبِيعِ، وَكَانَ كِنَانَةُ زَوْجَ صَفِيَّةَ، وَالرَّبِيعُ أَخُوهُ وَابْنُ عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «أَيْنَ آنِيَتُكُمَا الَّتِي كُنْتُمَا تُعِيرَانِهَا أَهْلَ مَكَّةَ؟» قَالا: هَرَبْنَا فَلَمْ تَزَلْ تَضَعُنَا أَرْضٌ وَتَرْفَعُنَا أُخْرَى، فَذَهَبْنَا فَأَنْفَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُمَا: «إِنَّكُمَا إِنْ كَتَمْتُمَانِي شَيْئًا فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ اسْتَحْلَلْتُ بِهِ دِمَاءَكُمَا، وَذَرَارِيَّكُمَا» ، فَقَالا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَى قَرَاحِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ ائْتِ النَّخْلَ فَانْظُرْ نَخْلَةً عَنْ يَمِينِكَ أَوْ عَنْ يَسَارِكَ فَانْظُرْ نَخْلَةً مَرْفُوعَةً فَأْتِنِي بِمَا فِيهَا» . قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُ بِالْآنِيَةِ وَالْأَمْوَالِ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمَا وَسَبَى أَهْلَيْهِمَا وَأَرْسَلَ رَجُلًا فَجَاءَ بِصَفِيَّةَ فَمَرَّ بِهَا عَلَى مَصْرَعِهِمَا ، فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «لِمَ فَعَلْتَ؟» فَقَالَ: أَحْبَبْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَغِيظَهَا. قَالَ: فَدَفَعَهَا إِلَى بِلالٍ وَإِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ “.(7)
وهذا إسناد ضعيف لضعف مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيِّ.
قال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني:
{ صدوق سيء الحفظ جدا }.(8)
ثالثا: الرواية تخالف صحيح السُنة:
هذه الرواية تخالف الصحيح من سيرة وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو الذي نهى نهيا شديدا عن التعذيب والمُثْلَة.
روى الإمام مسلم في صحيحه:
{ بُرَيْدَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِى خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ « اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَ لاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا» }. (9)
ورى الإمام أحمد في مسنده:
{ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: « مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً، إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ» }.(10)
روى الإمام أبو داود في سننه:
{ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
« إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَيْهِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ» }. (11)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
{ فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فِي الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ وَقَدْ {قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ، حَتَّى الْكُفَّارُ إذَا قَتَلْنَاهُمْ فَإِنَّا لَا نُمَثِّلُ بِهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ وَلَا نَجْدَعُ آذَانَهُمْ وَأُنُوفَهُمْ وَلَا نَبْقُرُ بُطُونَهُمْ إلَّا أنْ يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِنَا فَنَفْعَلُ بِهِمْ مِثْلَ مَا فَعَلُوا } . وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ }.(12)
فلو خالف الرسول صلى الله عليه وسلم ما يأمر الناس به لأنكروا عليه وخالفوه.
بل لأنكر عليه المشركون أنفسهم فعله هذا وهم الذين كانوا يصفونه دائما بأنه كان رحيما رفيقا. (13)
رابعا: قتل كنانة بن الربيع كان قِصاصاً:
أقول أيضا على فرض صحة الرواية فالرواية تقول أن قتل كنانة بن الربيع كان قِصاصاً لأنه قتل محمود بن مسلمة فقُتل به .
وهكذا يتبين لنا كذب هذه الفرية بالحُجة والدليل والبرهان.
مراجع البحـث:
(1) تاريخ الرسل والملوك للإمام الطبري ج3 ص14 ، ط دار المعارف – القاهرة ، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم.
(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ودار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عتر.
(3) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ج11 ص503 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: شعيب الأرناؤوط.
(4) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ج11 ص504 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: شعيب الأرناؤوط .
(5) المجروحين للإمام ابن حبان ج2 ص321 ، ط دار الصميعي الرياض ، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.
(6) ضعيف تاريخ الطبري د/محمد صبحي حسن حلاق ج7 ص186 ، ط دار بن كثير – دمشق – بيروت.
(7) الطبقات الكبرى للإمام بن سعد ج2 ص106 ، ط مكتبة الخانجي – القاهرة، ت: د/ علي محمد عمر.
(8) تقريب التهذيب للإمام بن حجر العسقلاني ، ص427 ، ط الرسالة – بيروت، ت: عادل مرشد.
(9) صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج ص828 ح3/1731 ، ط دار طيبة – الرياض، ت: نظر محمد الفَاريابي.
(10) مسند أحمد للإمام أحمد بن حنبل ج33 ص91 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: شعيب الأرناؤوط.
(11) سنن أبي داود للإمام أبي داود السجستاني ج7 ص185 ، ط دار الرسالة العالمية، ت: شعيب الأرناؤوط.
(12) مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية ج28 ص314، ط خادم الحرمين الشريفين، ت: عبد الرحمن محمد قاسم.
(13) صحيح البُخاري للإمام محمد بن إسماعيل البُخاري ص159 ح631 ، ط دار بن كثير – بيروت .
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه