Category Archives: الصحابة

هل كان أبو هريرة يدلس؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
فقد زعم أحد الرافضة أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يدلس!!
واستدل الرافضي بما رواه ابن عساكر!
قال ابن عساكر:
[ أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو القاسم بن مسعدة أنا حمزة بن يوسف أنا أبو أحمد أنا الحسن بن عثمان التسترى نا سلمة بن حبيب قال سمعت يزيد بن هارون قال سمعت شعبة يقول أبو هريرة كان يدلس].(1)
وإليكم الرد المختصر على هذه الفرية:
أولا: هذه الرواية لا تصح من جهة الإسناد،، ففي سندها الحسن بن عثمان التسترى ، وهو كذاب يضع الحديث.
قال الإمام الذهبي:
[ الحَسَن بْن عثمان بْن زياد، أبو سَعِيد التُّسْتَريّ … وكان كذّابًا.
قَالَ ابن عديّ: كَانَ عندي أنه يضع الحديث. سألت عبدان الأهوازي عَنْهُ: فقال: كذَّاب ].(2)
فلسنا ملزمين أن نصدِّقَ أكاذيبَ الحسن التستري وافتراءته على أبي هريرة رضي الله عنه.
ثانيا: على فرض صحة الرواية؛ فليس فيها هذا المعنى المضحك الذي فهمه هذا الرافضي!
فلقد ذكر الحافظ الذهبي هذه الرواية ثم عَلَّقَ عليها قائلًا:
[قُلْتُ: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ].(3)
يعني التدليس المقصود ليس هو التدليس بمعناه المشهور في زماننا، وإنما معناه أنَّ أبا هريرة حينما يروي حديثًا نبويًا سَمِعَه مَثَلًا من أبي بكر الصديق؛ فإنه لا يرويه عن أبي بكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإنما يختصر فيقول: قال رسولُ الله مُبَاشَرَةً، لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يعرف يَقينًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصديقَ ثِقَةٌ صَادِقٌ أَمِينٌ فيما ينقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك جميع الصحابة صادقون، ويستحيل أن يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فما هي المشكلة أَنْ يُسْقِطَ أبو هريرة رضي الله عنه الصحابيَّ الذي سَمِعَ الروايةَ عن رسول الله منه، ويرويها مباشرةً عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
والذهبي قال إن هذا التدليس كثيرٌ في الصحابة، يعني كثيرٌ من الصحابة كانوا يفعلون ذلك!!
وعليه فأبو هريرة لم ينقلْ لنا ما سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، وإنمَّـا نقل عن صحابةٍ أكبرَ منه!
ثالثا: أبو هريرة كان يعرض رواياته عن الرسول صلى الله عليه وسلم أما السيدة عائشة ويسألها عن صحتها فتقر بصحتها!!
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْلِسُ إِلَى حُجْرَة أم المؤمنين عائشة عليها السلام، فَيُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا صَاحِبَةَ الحُجْرَةِ، أَتُنْكِرِيْنَ مِمَّا أَقُوْلُ شَيْئاً؟ فَلَمَّا قَضَتَ صَلاَتَهَا، لَمْ تُنْكِرْ مَا رَوَاهُ، لَكِنْ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ الحَدِيْثَ سَرْدَكُمْ].(4)
فإذا كان أبو هريرة يدلس لماذا أَقَرَّت السيدة عائشة رضي الله عنها بصحة أحاديثه كلها ؟!
وحدَّث أبو هريرة بحديث، فنقلوه لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: أَكْثَرَ أبو هريرةَ على نَفْسِهِ، قال: فقيلَ لِابْنِ عُمَرَ: هل تُنكِرُ شَيئًا مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا قال: فبلغ ذلك أبا هريرة، قال: فما ذنبي إن كنتُ حَفِظتُ ونَسُوا؟!]. (5)
إذًا قد تبين لكل عاقل أن الرواية لا تصح، وإذا صَحَّتْ فليست كما فهمها هذا الرافضي، واثنان من أَجَلِّ الصحابة كعائشة وابن عمر رضي الله عنهما شَهِدَا لأبي هريرة رضي الله عنه بصحة ما يرويه.

والحمد لله رب العالمين ،،،،

مراجع البحث:
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر ج67 ص359.
(2) تاريخ الإسلام للذهبي ج7 ص178.
(3) سير أعلام النبلاء للذهبي ج2 ص608.
(4) سير أعلام النبلاء للذهبي ج2 ص607.
(5) سنن الإمام أبي داود السجستاني ج2 ص444، ط دار الرسالة العالمية.

الإعلان

عمار بن ياسر يشتم عثمان بن عفان!!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد سألني أحد الإخوة الأفاضل عما جاء في هذه الصورة من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد.

yashtom.3othman
فاستعنت بالله وكتبت ردًا على هذه الرواية أقول:
أولا: إنْ صَحَّتِ الرواية ووقع هذا السَّبُّ من عمار في حق عثمان رضي الله عنهما فلقد وقع ما هو أكثر من السَّبِّ، وهو القتال!!
ووقوع القتال بين المؤمنين لا يعني الفِسْق أو الكُفْر أو ينفي العدالة عن أحد الطرفين أو كليهما، فقد قال الله سبحانه وتعالى:
{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }.(1)
فمع وقوع القتال بينهما وَصَفَ اللهُ الفريقينِ بالمؤمنين، وبعد أن تَوَّجَ الله هذه الطوائف المتقاتلة بالشهادة لها الإيمان شَهِدَ لها في الآية التي تليها بِالْأُخُوَّةِ الإيمانية، فقال جَلَّ جلاله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ .. ].(3)
قال الإمام ابن كثير:
[ وَهَاتَانِ الْفِئَتَانِ هُمَا أَصْحَابُ الْجَمَلِ، وَأَصْحَابُ صِفِّينَ. فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا يَدْعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَنَازَعُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُلْكِ، وَمُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْأُمَّةِ وَالرَّعَايَا، وَكَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ ].(4)
وأيضا قد شَهِدَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية رضي الله عنه وفريقه بالإسلام، فقال للحسن بن علي رضي الله عنهما:
[ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ].(5)
وهذا عَيْنُ ما حَدَثَ بين فريق الحسن بن علي رضي الله عنهما وفريق معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وقد تم الصُلْحُ بين الفريقين بالفعل، وتحققت النبوءة النبوية بعد أكثر من أربعين سنة!!
وهذا كله يدل على أن القتال لا ينفي الإسلام أو الإيمان عن الفرق المتقاتلة، فإن كان وقوع القتال بين المؤمنين لا يجعلهم فاسقين، فمن باب أولى ألا يكون الشتم كذلك!
ولا يحتج علينا أَحَدٌ بحديث: [سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر]، لأن هذا محمول على مَنَّ سَبَّ أَو قاتَلَ مسلمًا من غير تأْويل، وقيل: إِنما قال ذلك على جهة التغليظ، لا أَنه يُخْرِجُه إِلى الفِسْقِ والكفر.(6)

ولو فرضنا وقوع السب من بعض الصحابة؛ فكان ماذا ؟! أليس الصحابة بَشَرًا كالبشر، يُصِيبُون ويُخْطِؤون، ويضحكون ويبكون، ويَسعدون ويحزنون، ويرضون ويغضبون، ويأكلون ويشربون، ويطيعون ويعصون؟! فهل قال لكم أحد إننا نقول بعصمتهم؟! ألم يقع الزنا من ماعز والغامدية؟! ألم يَتَخَلَّفْ بعضُهُم عن الغزو وتابوا حتى تاب الله عليهم وتقبل توبتهم؟! ألم يُخَالِفْ بعضُهُم أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحُدٍ فنزلوا من على الجبل مما أَدَّى لهزيمة المسلمين يومئذ؟!
نعم الصحابة رضي الله عنهم بشر يُخطئون ويصيبون، ولكنهم كانوا صالحين، يسارعون بالتوبة إذا عَصوا وأخطؤوا ، فماذا إنْ وَقَعَ مِن أَحَدِهِم خطأ أو معصية، مع نُدْرَةِ معصيتهم وقِلَّةِ أخطائهم؟! 

ثانيًا: أول شروط صحة الرواية هو اتصال السند، وهذه الرواية في سندها انقطاع ظاهر! وإليك الرواية بسَنَدِهَا:
قال الإمام ابن سعد:
[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جبر عن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة قال: فتوعدته بالقتل قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن. فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس. فقيل هذا عمار. فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين. قال فحملت عليه فطعنته في ركبته. قال: فوقع فقتلته. فقيل قتلت عمار بن ياسر. وأخبر عمرو بن العاص فقال: [سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول إن قاتله وسالبه في النار] . فقيل لعمرو بن العاص: هو ذا أنت تقاتله. فقال: إنما قال قاتله وسالبه]..(7)
وأبو حفص وكلثوم بن جبر لم يحضرا هذه الواقعة!
قال الإمام الذهبي:
[إِسْنَادُهُ فِيْهِ انْقِطَاعٌ].(8)
ومن المعلوم أن أول شروط صحة الرواية هو اتصال الإسناد.
قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح:
[ أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْـمُسْنَدُ الّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذّاً ، وَلا مُعَلَّلًا ].(9)
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر:
[وقال سائر أهل الفقه وجماعة أصحاب الحديث في كل الأمصار – فيما علمتُ – : الانقطاع في الأثر عِلَّةٌ تمنع من وجوب العمل به، وسواء عارضه خبرٌ مُتَّصِلٌ أم لا ].(10)
فليس مجرد توثيق الرواة كافٍ لتصحيح الرواية كما كتب ناشر الصورة عليها ليوهم القارئ بصحة الرواية!
ثالثا: هناك استثناء شرعي واضح لبعض الناس بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن سعد صاحب الطبقات ذكر هذه الرواية ضمن الطبقة الأولى من البدريين من المهاجرين والأنصار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ].(11)
قال الله سبحانه وتعالى:
{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.(12)

فهؤلاء قوم قد حطوا رِحَالَهم في الجنة، والاستدلال بمثل هذا على جواز سَبِّ الصحابة كعثمان بن عفان وغيره من أبطل الباطل وأضلِّ الضلال!
فهل مَنْ يَسُبُّ الصحابة اليومَ يأمن على نفسه النفاق أو نزل فيه نصٌّ صحيحٌ صريحٌ يضمن له الجنة كهؤلاء الأكَابِر؟!

والحمد لله رب العالمين ،،،،

مراجع البحث:
1. سورة الحجرات – آية: 9.
2. سورة الحجرات – آية: 10.
3. صحيح البخاري – حديث رقم: 7121. 
4. البداية والنهاية ج9 ص192.
5. صحيح البخاري – حديث رقم: 2704.
6. لسان العرب لابن منظور ج1 ص455، ط دار صادر – بيروت.
7. الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص241، ط مكتبة الخانجي – القاهرة.
8. سير أعلام النبلاء ج2 ص544، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
9. علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11، ط دار الفكر المعاصر – لبنان، دار الفكر – سوريا.
10. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ج1 ص5.
11. صحيح البخاري – حديث رقم: 4274.
12. سورة التوبة – آية: 100.

هل هَمَّ عمر بن الخطاب بتحريق بيت فاطمة؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذه صورة نشرها أَحَدُ الرافضة لرواية ضعيفة محاولًا الطعنَ بها على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه أراد إحراق البيت على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم!

167973_n

فأقول وبالله التوفيق
أولًا: أول شروط صحة الرواية في دين الإسلام العظيم هو اتصال السند كما هو معلوم، وهذه الرواية فيها انقطاع، لأنَّ أَسْلَمَ العَدَوِيَّ مولى عمر بن الخطاب لم يعاصِرْ هذه الواقعة ولم يحضُرْها، وإلا فكيف عَلِمَ أَسْلَمُ مولى عمر بما حدث في البيت بعد ذهاب عمر ؟!
وهذا يقوِّي القولَ بأن أَسْلَمَ العَدَوِيَّ سَمِعَها من شخص ما، ولم يعاصرْ بنفسه هذه الواقعة ولم يحضرها!
بل هذا هو الحق في المسألة؛ لأن أسلم العدوي كان من سَبْيِ عين التمر، وكانت في سنة 12 من الهجرة! كما قال ابنُ كثير في البداية والنهاية.(1)
والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَوَفَّى في ربيع الأول سنة 11 من الهجرة.(2)
وابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها تُوُفِّيَتْ في شهر رمضان من نفس السنة بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلوات الله وسلامه عليه كما جاء في صحيح البخاري.(3) والبداية والنهاية لابن كثير.
وهذا يعني أن أسلَم العدوي لم يُعَاصِرْ هذه الواقعة! لأن هذه الواقعة – على فرض صِحَّتِهَا – ستكون قد حدثت في حياة السيدة فاطمة رضي الله عنها، يعني سنة 11 هجرية، وقبل سنة 12 هجرية.
وعمر بن الخطاب اشترى أَسْلَمَ العدوي سنة 12 هجرية. وهذا انقطاع واضح لا مِرْيَةَ فيه، ولله الحمد!
تنبيه:
رأيت أحد الرافضة يريد إلزامنا بتصحيح هذه الرواية ونفي الانقطاع لأن البخاريَّ يَروِي في صحيحه عن أسلم العدوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه!
قلتُ: ليس في ذلك ما يُتَمَسَّكُ به، لأنّ منهجَ البخاريَّ رحمه الله أنه كان ينتقي ما صَحَّ من أحاديث الثقات وأيضًا يَنتقي ما صَحَّ من أحاديث الرواةِ الـمُتَكَلَّمِ فيهم.
فالقياس على إخراج البخاري في صحيحه بمثل هذا الإسناد قياسٌ غيرَ صحيحٍ، فالبُخاري تأكَّدَ من اتصال الأسانيد في أحاديثه المسندة داخل صحيحه، وقال:
[ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح].(4)
فهل عند الرافضة دليلٌ على أنَّ البخاري أيضًا تأكد وتحقق من اتصال إسناد الرواية محل بحثنا (رواية التهديد بإحراق البيت) حتى يَصِحَّ قِياسُهُم؟!

ولمزيد من إفحام الرافضة ننقل قول الحافظ ابن حجر العسقلاني على الرواية التي يستدلون بها من صحيح البخاري لتصحيح السند وتمرير الانقطاع في رواية ابن أبي شيبة، فيقول رحمه الله:
[ هذا السياق صورته الإرسال لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة لكنه محمول على أنه سمعه من عمر بدليل قوله في أثنائه قال عمر فحركت بعيري إلخ وإلى ذلك أشار القابسي وقد جاء من طريق أخرى سمعت عمر أخرجه البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك ثم قال لا نعلم رواه عن مالك هكذا إلا بن عثمة وبن غزوان انتهى ]. فتح الباري لابن حجر (8/ 583) وهذا الكلام: [ هذا السياق صورته الإرسال لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة] قاتل للرافضة.

فلو عجز الرافضة عن إثبات سماع أسلم للرواية من عمر أو أحد معاصري القصة ؛ له تكون الرواية مرسلة، والمرسل ضعيف كما هو معروف!
وقال الحافظ أيضًا:
[ وفي التفسير أن هذا السياق صورته الإرسال ، وأن الإسماعيلي والبزار أخرجاه من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك بصريح الاتصال، ولفظه عن أبيه عن عمر. ثم وجدته في التفسير من جامع الترمذي من هذا الوجه، فقال عن أبيه سمعت عمر. ثم قال: حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن مالك فأرسله، فأشار إلى الطريق التي أخرجها البخاري وما وافقها. وقد بينت في المقدمة أن في أثناء السياق ما يدل على أنه من رواية أسلم عن عمر لقوله فيه قال عمر فحركت بعيري …]. فتح الباري لابن حجر (9/ 58)
فرواية البخاري في صحيحه متصلة، والحديث صحيح عند الإمام البخاري وغيره، ولكن البخاري يحرص على رواية الأحاديث بأعلى إسناد لها طالما أنها صحيحة من طرق أخرى كما هو معروف.

كما أنَّ محمد بن بشر له أوهام كثيرة، فهو ثقة إذا حَدَّثَ من كتابه، أما إذا حَدَّثَ من حفظه جاء بأوهام.(5)
ويدل على ذلك أن ابنَ أبي عاصم قد روى نفس الرواية عن محمد بن بشر العبدي بدون زيادة التهديد بإحراق البيت!!
قال ابن أبي عاصم:
[ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ، نا محمد بن بشر، عن عبيد الله بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر قال لفاطمة رضي الله عنهما: والله ما كان أحد أحب إلي من أبيك، ولا أحدا أحب إلي بعد أبيك منك ].(6)
كما ترى أخي القارئ الكريم، فالرواية من طريق محمد بن بشر العبدي ليس فيها زيادة التهديد بإحراق البيت!!
فيدل ذلك على أن زيادة التهديد من أوهام محمد بن بِشر العبدي!

بل وجدت رواية أخرى عند الإمام أحمد في فضائل الصحابة عن محمد بن بشر العبدي، وهي أيضا دون زيادة التحريق!

قال الإمام أحمد:

[ 532 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قثنا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ يَدْخُلَانِ عَلَى فَاطِمَةَ فَيُشَاوِرَانِهَا، فَبَلَغَ عُمَرَ فَدَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَبِيكِ، وَمَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَ أَبِيكِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْكِ، وَكَلَّمَهَا، فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَالَتِ: انْصَرِفَا رَاشِدَيْنِ، فَمَا رَجَعَا إِلَيْهَا حَتَّى بَايَعَا ].(7)
ويدل على ذلك أيضا أن الحاكم روى نفس القصة بسنده عن غير محمد بن بشر العبدي دون ذِكر التحريق نهائيًا أيضًا، وهذا مما يدل على وهم محمد بن بشر العبدي في هذه الرواية بالفعل!
قال الحاكم في المستدرك:
[حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفُ الْهَمْدَانِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَلِيٍّ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ أَبِيكِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكِ].(8)
وليس في هذه الرواية لفظُ التهديدِ بالتحريق الذي يستدل به الرافضة، وهذا مما يُقَوِّي القولَ بأنه من أوهام محمد بن بشر العبدي.
كما أن رواية المستدرك – بدون لفظ التهديد بإحراق البيت – جاءت موصولةً بين أسلم وبين عمر رضي الله عنه: [ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ … ].
فانظر أخي القارئ الكريم كيف يستدل الرافضة بالرواية التي لم يقل فيها أسلمُ أنه أخذ الرواية عن عمر، وتركوا الرواية التي يقول فيها أسلم إنه أخذها عن عمر رضي الله عنه!!
وأنا في الحقيقة لا أفضِّل رواية عبد السلام بن حرب على رواية محمد بن بشر العبدي، فكلاهما فيه كلامٌ عند أهل العلم، ولكن روايته تدعم ترجيح اللفظ الذي رواه محمد بن بشر العبدي بدون لفظ التهديد بإحراق البيت كما ذكرنا، ويُبَيِّن أيضًا اضطراب العبدي في هذه الرواية.
والخلاصة أنَّ لفظ التهديد بتحريق البيت لا يصح سندُه للعِلَّتَينِ المذكورتينِ:
1. عدم حضور أسلم العدوي لهذه الواقعة، وعدم تصريحه أنه أخذها عن عمر رضي الله عنه.
2. الكلام في محمد بن بشر العبدي رحمه الله.

تنبيه: أفادني أحد الإخوة بأن الحافظ ابن رجب الحنبلي ذكر في شرح علل الترمذي أنَّ سماع الكوفيين من عبيد الله بن عمر العمري فيه شيء، وهذا كلام صحيح. ومحمد بن بشر العبدي كوفي، وهذا يؤكِّد ما قلتُه أعلاه ولله الحمد.
ثانيًا: أين ذهبت شجاعة علي بن أبي طالب التي يدندن عليها الرافضة حتى جعلوه في دينهم أشجعَ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
حتى قال شيخُهُم نعمة الجزائري:
[روى الصدوق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُعْطِيت ثلاثًا وعليٌّ مشاركي فيها ، وأعطِيَ عليٌّ ثلاثًا ولم أشاركه فيها، فقيل: يا رسول الله وما الثلاث التي شاركك فيها علي؟! فقال: لواء الحمد وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، والجنة والنار لي وعليٌ قسيمهما، وأما الثلاث التي أعطيت لعلي ولم أشاركه فيها ؛ فإنه أُعْطِيَ شجاعةً ولم أعطَ مثله، وأعْطِيَ فاطمة الزهراء زوجة ولم أعطَ مثلها، وأعطيَ ولديه الحسن والحسين ولم أعط مثلهما ].(9)

فانظر أخي القارئ الكريم كيف يجعل الشيعةُ عليًّا رضي الله عنه أشجعَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم في نفس الوقت رضوا بأن يصفوا عليًّا بالجبن وسلبوه شجاعته المشهورة فقط ليصححوا ويمرروا هذه الرواية الباطلة!!
ثالثًا: كيف تشترط فاطمة رضي الله عنها على عليِّ بن أبي طالب ألا يرجعَ إلى بيته ؟!
أليس بيتُ فاطمة هو نفسُه بيتَ علي بن أبي طالب ؟! فكيف يقال إنها طلبت من عليٍّ ألَّا يرجع إلى بيته؟! فهل يُلام الرجلُ إذا دخل بيته يا عِبادَ الله؟!
رابعًا: على فرض صِحَّة الرواية؛ فالرواية لم تقل إن عمر سيحرق البيت على فاطمة رضي الله عنها نفسها، بل قال عليهم هُم!
فالرواية تنسب إلى فاطمة عليها السلام أنها قالت لعلي والزبير: [وقد حلف (عمر) بالله إنْ عدتم ليحرقنَّ عليكم البيت].
فما علاقة هذا الكلام بفاطمة رضي الله عنها؟! ومن أين جاء الرافضة بأن التهديد كان لشخص فاطمة رضي الله عنها؟!
ثم إن الكلام كله على سبيل التهديد والتهويل فقط، كما يقول شيخ الشيعة الطبرسي الرافضي في كتابه الاحتجاج.(10)
خامسًا: إنْ صَحَّ تهديد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإحراق البيت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فهل يعقل أن عليَّا يمدح عمر بن الخطاب ويصفه بأنه عَمِلَ بسنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
روى الإمام أحمد في مسنده عن عليٍّ رضي الله عنه قال:
[ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَعُمَرُ كَذَلِكَ].(11)
ثم إنْ صَحَّ تهديد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بإحراق البيت عليه ؛ أفليس هذا يجعل عليًّا رضي الله عنه يجد في قلبه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟!
فما رأي الرافضة في هذا الموقف؟!
[ عن عُقْبَة بْن الْحَارِثِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَيَالٍ، وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَلْعَبُ مَعَ غِلْمَانٍ، فَاحْتَمَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَا بِأَبِي شِبْهُ النَّبِيِّ … لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ، قَالَ: وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ].(12)
وأيضا جاء في صحيح البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
[وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ].(13)
لاحظ قول علي بن أبي طالب لعمر: [ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ].
فعليُ بن أبي طالب هنا يُصِرَّح أنه يحب أن يلقى اللهَ بعمل مثل عَمَلِ عمرَ بن الخطاب!!
فإن صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد تحريق بيت فاطمة على عليٍّ والزبير ؛ هل سيقول علي بن أبي طالب إنه يحب أن يلقى اللهَ بمثل عَمَلِ عمر بن الخطاب؟!!
هل يحب علي رضي الله عنه أن يلقى الله وقد هَمَّ أن يُحَرِّقَ بيتَ فاطمة رضي الله عنها كما يزعم الرافضة؟!
ثم إذا كان ذلك كذلك؛ فلماذا يقول علي بن أبي طالب إن عمر بن الخطاب خير منه وأفضل منه؟!
عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: [قَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَإِنَّا قَدْ أَحْدَثْنَا بَعْدَهُمْ أَحْدَاثًا يَقْضِي اللهُ تَعَالَى فِيهَا مَا شَاءَ].(14)
وعَنْ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، فَقَالَ: ” مَنْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ ” فَقُلْتُ: أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: ” لَا خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَمَا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ .(15)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ – وهو محمد بن علي بن أبي طالب – قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.(16)
فهؤلاء ثلاثة من سادات التابعين قد رَوَوا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال إن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما خيرٌ منه وأفضل منه!
فهل يقول علي بن أبي طالب هذا الكلام عمن اغتصبوا منه الخلافة وأرادوا إحراق بيته عليه بالنار، كما يزعم الرافضة ؟!
سادسًا: هل يعتقد الرافضة حَقًّا بصحة هذه الرواية؟!
إن قالوا نعم، فآخِرُ الرواية ينسف دِينَ الرافضة ويهدِمُه مِن أساسه. فتقول الرواية في آخرها إن عليًّا والزبير بايعا أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنهم جميعًا.
وبيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما تستأصل دين الشيعة الروافض من أساسه.
فدين الرافضة يقوم على وجود اثني عشر إمامًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون إنَّ عليًّا وَصِيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان الوَصِيُّ نفسه قد بايع بالخلافة رَجُلًا غيرَه، فقد ضاع دين الرافضة في العَرَاء، وتاه في الصحراء!!
وإنْ قالوا لا نعتقد صحتها، بل نلزمكم بما في كتبكم؛ قلنا لهم، هذه كتبنا، ونحن أدرى بها من غيرنا، والرواية بحسب قواعد علم الحديث لم تَثْبُتْ صِحَّتُهَا بسبب الانقطاع المذكور بين أسلم العدوي وبين الواقعة وأيضا للكلام المذكور في محمد بن بشر العبدي!
فإن أردتم أن تُلْزِمُونا فألزمونا بما نعتقد صِحَّتَهُ، وليس بعكس ذلك!
ثم إن كتبنا أيضا قالت إن عليًا رضي الله عنه قال إن أبا بكر وعمر عَمِلَا بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسارا على نفس مسيرته!!
روى الإمام في مسنده عن عبدِ خَيْرٍ، قال:
[ قام عليٌّ على المنبر، فذكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستُخلِف أبو بكر رضي الله عنه فعمل بعمله، وسار بسيرته، حتى قبضه الله عز وجل على ذلك. ثم استُخلِف عمر فَعَمِلَ بِعَمَلِهِمَا، وسار بسيرتهما، حتى قبضه اللهُ عز وجل على ذلك].(17)
فنقول للرافضة: فإن كنتم تستدلون بكتبنا كما تزعمون؛ فلماذا أخذتم رواية التهديد بإحراق البيت مع ضعف إسنادها وتركتم رواية ثناء علي على أبي بكر وعمر مع حُسن إسنادها؟!!!
ثم إن هذه الكتب مكتوبة بلغةٍ عربيةٍ فُصْحَى، وأنتم أعاجمُ العقل والقلب واللسان. ويدلُّ على ذلك أنكم فهمتهم من الرواية أن عمر هَمَّ بتحريق البيت على فاطمة، في حين أن هذا غير موجود في الرواية أصلًا!!
سابعًا: الرواية تقول إن عمر لا يُحِبُّ أحدًا كَحُبِّهِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأَقْسَمَ عمرُ رضي الله عنه بالله على ذلك، فصِحَّةُ الرواية تهدم دين الرافضة من وجه آخر، حيث زعموا أنَّ الصحابة كانوا يكرهون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويتآمرون عليه!
فكيف يكون عمر رضي الله عنه كارهًا لرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقسم بالله على محبته ؟!
فإن قالوا إن عمر رضي الله عنه – وحاشاه – أَقْسَمَ بالله كاذبًا ؛ قلنا لهم: فلماذا صدقتموه في حلفه على إحراق البيت – على فرض صحة الرواية – ولم تصدقوه في محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن القَسَمَيْنِ جاءا معًا في نفس الرواية؟!
ثامنًا: الرواية تقول إن عمر رضي الله عنه لا يحب أَحَدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل فاطمة رضي الله عنها.
وهذا أيضًا ينسف دين الرافضة. لأن الدينَ الرافضيَّ يقوم على ادِّعاء بُغض الصحابة رضي الله عنهم لآل البيت عليهم السلام، والرواية يُصَرِّحُ فيها عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه ويُقسِم بالله أنَّ أحبَّ الناسِ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه هي فاطمة عليها السلام والرضوان!

تاسعا: هذه الرواية الضعيفة تقول إن عليًا والزبير لم يرجعا لفاطمة حتى بايعا لأبي بكر، فكأنهما هما اللذان ذهبا ليبايعا أبا بكر!! وهذا يخالف الرواية الصحيحة التي تقول إن أبا بكر حِينَ بُويِعَ لم ير عليًا والزبير فسأل عنهما، فذهب رجال من الأنصار فأتوا بهما.

فقد روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري قال:

 […ثُمَّ أَخَذَ زَيدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ، فَبَايَعُوهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا، فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصًا الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَحَوَارِيُّهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ: لا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَاهُ ]. المستدرك على الصحيحين (ت مقبل) (3/ 86)
ا ج8 ص246 ، ص247

قال الحافظ ابن كثير:

[وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ … وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ مُبَايَعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِمَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الْوَفَاةِ. وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُفَارِقِ الصِّدِّيقَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُ ]. البداية والنهاية ج8 ص92
عاشرًا: هذه الرواية جعلت الرافضة يتنازلون عن اتهام عمر بن الخطاب بحرق بيت فاطمة إلى مجرد تهديده بفعل ذلك فقط!!
فانظر أخي المسلم كيف يتنازل الرافضة عما يعتقدون لمجرد أنهم يريد الطعن في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأي طريقة وبأي وجه!! 

حادي عشر: دين الرافضة هو ذلكم الدين العجيب الغريب المريب الذي يريد إقناعك أن عمر بن الخطاب أراد إحراقَ بيتِ فاطمة على عليِّ بن أبي طالب؛ فكافأه عليُ بن أبي طالب بأنه زَوَّجَهُ ابنته أمَّ كلثوم !! وسبحان الله على عقول تائهة مظلمة تُصَدِّق هذا العبث بالعقول!
والخلاصة: أن الرواية من حيث سندها فيها انقطاع واضح وضعف بسبب ابن بشر العبدي، ولا تقوم بها حُجَّة عند أي عاقل منصف.
كما أن متنها مخالف لسيرة الصحابة الصحيحة الثابتة بالأسانيد الصحاح المعتمدة، كما أن تصحيح الرواية يهدم دين الرافضة من أساسه.

 

والحمد لله رب العالمين ،،،،


مراجع البحث:
1. البداية والنهاية لابن كثير ج12 ص299، ج9 ص528
2. البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص413
3. صحيح البخاري – حديث رقم: 3093، والبداية والنهاية لابن كثير ج9 ص485.
4. تاريخ دمشق لابن عساكر ج52 ص73، ط دار الفكر – بيروت.
5. تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ص210، ط الدار السلفية – الكويت.
6. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم ج5 ص360، ط دار الراية – الرياض.

7. فضائل الصحابة ص364، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
8. المستدرك على الصحيحين ج3 ص183، ط دار الحرمين – القاهرة.
9. الأنوار النعمانية ج1 ص29، ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت.
10. كتاب الاحتجاج للطبرسي الرافضي (1 / 51)
11. مسند الإمام أحمد ج2 ص315، ط الرسالة – بيروت.
12. مسند الإمام أحمد ج1 ص213.
13. صحيح البخاري – حديث رقم: 3685
14. مسند أحمد ج2 ص247، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
15. مسند أحمد ج2 ص201، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
16. صحيح البخاري – حديث رقم: 3671
17. مسند الإمام أحمد ج2 ص314 .

أراد الطعن في السنة وأبي هريرة!!

الحمد هل والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

أما بعد ؛ فقد كتب أحد منكري السنة النبوية على حلقة الرد على مقطع: المُشَوَّهُون: أحمد صبحي وبلال فضل – سب الخلفاء الراشدين! تعليقًا يقول فيه:

18-09-2019 02-07-01 م.jpgفكتبت مستعينا بالله للرد عليه أقول:

أولا: الجواب على سؤالك يكمن في جوابك عن سؤال: لماذا ذكرت مصدر الرواية الثانية ولم تذكر مصدر الرواية الأولى؟!
لأن الرواية الأولى مصدرها كتاب تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي!
وبعد الرواية مباشرةً يقول الإمام الذهبي: [فهذا لا يصح].
لكن حضرتك لأنك شخص أمين وصادق بمنتهى البساطة حذفت الكلام الذي يبين أن الرواية غير صحيحة !
وهذا يدل على أن حضرتك شخص أمين وصاحب مصداقية عالية !! وهنا صفحة الكتاب لبيان اقتطاعك الجميل:
https://archive.org/details/alfirdwsiy2018_gmail_0465/page/n3

—————

ثانيا: وأما الرواية الثانية فهي تبين أن منهج سيدنا عمر رضي الله عنه هو الإقلال من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن حضرتك أيضا بكل أمانة قطعت كلام الإمام ابن كثير !! فيقول ابن كثير بعد ذلك مباشرة:
[وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَضَعُهَا النَّاسُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَأَنَّهُمْ يَتَّكِلُونَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخْصِ، أَوْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ رُبَّمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ بَعْضُ الْغَلَطِ أَوِ الْخَطَأِ فَيَحْمِلُهَا النَّاسُ عَنْهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَدْ جَاءَ أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، فَقَالَ مُسَدَّدٌ: ثَنَا خَالِدٌ الطَّحَّانُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ حَدِيثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ فُلَانٍ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لِمَ سَأَلَتْنِي عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ ؟ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: ” مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ “. قَالَ: إِمَّا لَى فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ].
وهنا صفحة الكتاب:
https://archive.org/stream/alhelawy07/bn11#page/n370/mode/2up

—————–

ثالثا: الرواية الثالثة: [ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ : إِنِّي لأُحَدِّثُ أَحَادِيثَ ، لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ عِنْدَ عُمَرَ لَشَجَّ رَأْسِي ] رواية ضعيفة ، لأن محمد بن عجلان لم يدرك أبا هريرة، فالرواية منقطعة!!
محمد بن عجلان ولد في خلافة عبد الملك بن مروان، وأبو هريرة رضي الله عنه متوفَّى سنة 59 هجرية، أي في أواخر خلافة معاوية، وبعد معاوية تولى ابنه الفاسق يزيد أربعَ سنوات، ثم سنة لمعاوية بن يزيد بن معاوية، ثم سنة لمروان بن عبد الحكم، ثم بعد ذلك جاءت خلافة عبد الملك، وفيها وُلِدَ محمد بن عجلان القرشي، فالرواية منقطعة وضعيفة!
رد إن استطعت ولا تحذف تعليقك !

والحمد لله رب العالمين ،،،،

%d مدونون معجبون بهذه: